كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 2)
ومن قبل ذلك: فأخبرنا ما معنى قولك: المحقون؟ ومن هؤلاء، فإنك تردده في الكلام كثيراً؟
قال: إن الحق الأعظم الذي منه انشعبت الحقوق، لا يسكن إلا في قلبٍ طاهرٍ، وكذلك الحكمة، لا تستوطن إلا في قلبٍ طاهرٍ، وكذلك اليقين، لا يسكن إلا في قلب طاهرٍ، فمن لم يطهر قلبه، فهذه الأشياء نافرة عنه، لا يجد مأمنها، فإذا وجدت قلباً قد تطهر من أدناس الذنوب، ودرن العيوب، فقد وجدت مأمناً، فارتفعت فيه، فوجدت صاحبه حكيماً، ووجدته موقناً، ووجدته محقاً، فالحكمة ينبوع قلبه، ومثال بين عينيه، واليقين مطالعه في القلوب، والحق مستعمله.
ومن لم يطهر قلبه، فالحق نافرٌ عنه، فهو يتبع الحق ليعمل به، والحق هاربٌ منه، فلذلك يشتد عليه القيام بالحق، ويثقل عليه حتى يعجز عنه، والحق يجري فيه كالسهم، وكالماء، وكالدهن باللبن، وكالريح سرعةً ومضياً.
ومن لم يطهر قلبه، فالحكمة معرضة عنه، فتستر عنه جهدها، وتخفي زينتها، كعروس في أجمل صورة، وأحسن زينة، فهي لا تأمن أهل الريبة، فتستر عنهم زينتها جهدها، وإذا اطلع عليها المتقي، أمنته، فلم تستتر عنه، ومن لم يطهر قلبه، فعقله محجوب عن الله، وقلبه بعيد من الله، فكيف ينال اليقين؟.