كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 2)
رب أهانن. كلا}.
فرد عليه، وأكذبه، كأنه يقول بقوله: كذبت، إني لست أكرم بدنيا، ولا أهين أحداً بمنعها، وذلك ليعلم أن الذي ذكر في مبتدأ الآية من قوله: {فأكرمه} إنما هي كرامة ابتلاء، أعطاه منية، فإذا لم تنزله المنزلة التي أنزله الله، فاستهنت به، وجفوته من غير جرم استحق بذلك الجفاء، فقد تركت موافقة الله في تدبيره، وأفسدت عليه دينه، وأثمته، فقولها: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أن ننزل الناس منازلهم))؛ أي: المنازل التي أنزلهم الله من دنياهم.
والآخرة: قد غيب شأنها عن العباد، فإذا سويت بين الغني والفقير في مجلسٍ، أو مأدبةٍ، أو معاطاة من هديةٍ، أو نحوها، كان ما أفسدت أكثر مما أصلحت، فالغني يجد عليك إذا قصيت مجلسه، أو دعوته إلى طعام دون، أو أهديت له شيئاً طفيفاً؛ لأن الله تعالى لم يعوده ذاك، والفقير يعظم ذلك القليل في عينه، ويقنع بذلك، وتلك عادته.
وكذلك معاملة الملوك والولاة على هذا السبيل، فإذا عاملت الملوك والسلطان بمعاملة الرعية، فقد استخففت بحق السلطان، وأثنيته على نفسك، وكيف يجوز أن يستخف بحقه، والسلطان ظل الله في الأرض، به تسكن النفوس، ويجمع أمورهم، والناظر إلى ظل الله عليهم في الشغل عن الالتفات إلى أعمالهم، وإنما نفر قومٌ من السلف عنهم، وجانبوهم؛ لاشتغالهم بالنظر إلى سيرهم وأعمالهم، ولو كان لهم طريق النظر إلى