كتاب نوادر الأصول - النسخة المسندة ط النوادر (اسم الجزء: 2)
من قلة معرفتهم بتأويله.
فأما حديث ابن عباس، فتأويله عندنا: أن الذي يعظم في عينه هذا الحطام، قد باع آخرته بدنياه، من المنافسة في الدنيا، والرغبة فيها، والأغنياء قد عظم شأنهم في عينهم؛ لما يرى عليهم من قشر الدنيا، والرغبة فيها، وفي أيديهم من حطامها، فيعظمهم، ويتملقهم، ويكرمهم تعظيماً لما في أيديهم، وكائن أن يكون غداً هلاك ذلك الغني ما أوتي، فإذا رأى من قد منع هذا، وزويت عنه الدنيا، ازدراه وحقره، وكائن أن يكون غداً نجاته من هذا الذي زوي عنه، فهذا لغلبة الشهوات التي تغلي في صدره فقد عشق الدنيا عشقاً أسكره عن الآخرة، فيعظم أبناء الدنيا، ويحقر أبناء الآخرة، فهذا مستوجب للعنة الله؛ لأن قلبه ميت، وهو مفتون يكرم مفتوناً.
فأما عبدٌ دقت الدنيا في عينه بحذافيرها، ورحم أهل البلاء، فهو يرى الغني مبتلى بغناه، قد تراكمت عليه أثقال النعمة، وغرق في حسابها، يرى عظيم وبالها عليه غداً، فيرحمه في ذلك، كالغريق الذي يذهب به السيل، فقلبه يتعصر عليه، فإذا لقيه، أكرمه، وبره على ما عوده الله، إبقاء على دينه؛ لئلا يفسد، فإنه قد تعزز بدنياه، وتكبر وتاه، وتعظم في نفسه، فإذا حقرته، فقد أهلكته؛ لأن عزه دنياه، فإذا أسقطت عزه، فقد سلبته دنياه، فهذه محاربة، لا عشرة، فإنما تبره وتكرمه مدارياً له على دينه، ورفقاً