كتاب الضوء اللامع لأهل القرن التاسع (اسم الجزء: 2)

النّظم باللغات الثَّلَاث الْعَرَبيَّة والعجمية والتركية جيد الْخط جيد الإتقان والضبط عذب الْكَلَام بديع المحاضرة مَعَ كَثْرَة التودد ومزيد التَّوَاضُع وعفة النَّفس ووفور الْعقل والرزانة وَحسن الشكالة والأبهة سِيمَا الْخَيْر ولوائح الدّين عَلَيْهِ ظَاهِرَة، وَقد لَقيته بِالْقَاهِرَةِ فِي الخانقاه الصلاحية سنة خمسين فَكتبت عَنهُ من نظمه أَشْيَاء وَسمعت من لَفظه العقد الفريد وعقود النَّصِيحَة وكتبهما إِلَيّ بِخَطِّهِ وَبَالغ فِي الْأَدَب والتواضع. وَمَات بالخانقاه الْمَذْكُورَة فِي يَوْم الِاثْنَيْنِ منتصف رَجَب سنة أَربع وَخمسين وَدفن بتربتها وَالنَّاس مشغولون فِي الاسْتِسْقَاء عِنْد توقف النّيل غَرِيبا عَن أَهله ووطنه بعد أَن امتحن على يَد الظَّاهِر جقمق وَطَلَبه لشكوى حميد الدّين عَلَيْهِ وَأدْخلهُ سجن الْمُجْرمين فدام فِيهِ خَمْسَة أَيَّام ثمَّ أخرج وَاسْتمرّ مَرِيضا من الْقَهْر حَتَّى مَاتَ بعد اثْنَي عشر يَوْمًا عوضه الله خيرا، وترجمته مُحْتَملَة للبسط فقد كَانَ من محَاسِن الزَّمَان وَمِمَّنْ تَرْجمهُ بِاخْتِصَار المقريزي فِي عقوده. وَمِمَّا كتبته عَنهُ لنَفسِهِ:
(قَمِيص من الْقطن من حلّه ... وشربة مَاء قراح وقوت)

(ينَال بِهِ الْمَرْء مَا يَبْتَغِي ... وَهَذَا كثير على من يَمُوت)
وَمِنْه معمي:)
(وَجهك الزاهي كبدر ... فَوق غُصْن طلعا)

(واسمك الزاكي كمشكا ... ة سناها لمعا)

(فِي بيُوت أذن الل ... هـ لَهَا أَن ترفعا)

(عكسها صحفه تلق ... الْحسن فِيهِ أجمعا)
وَمِنْه:
(فعش مَا شِئْت فِي الدُّنْيَا وَأدْركَ ... بهَا مَا شِئْت من صيت وَصَوت)

(فحبل الْعَيْش مَوْصُول بِقطع ... وخيط الْعُمر مَعْقُود بِمَوْت)
وَمِنْه:
(وَمَا الدَّهْر إِلَّا سلم فبقدر مَا ... يكون صعُود الْمَرْء فِيهِ هُبُوطه)

(وهيهات مَا فِيهِ نزُول وَإِنَّمَا ... شُرُوط الَّذِي يرقى إِلَيْهِ سُقُوطه)

(فَمن صَار أَعلَى كَانَ أوفى تهشما ... وَفَاء بِمَا قَامَت عَلَيْهِ شُرُوطه)
وترجمه بَعضهم فَقَالَ: الْعَلامَة أحد أَفْرَاد الدَّهْر فِي الْفضل والسجع وَعلم الْمعَانِي وَالْبَيَان والبديع والنحو وَالصرْف وَالنّظم والنثر، كَانَ مِمَّن أسر مَعَ اللنك وَنقل إِلَى سَمَرْقَنْد ثمَّ خرج مِنْهَا فِي سنة إِحْدَى عشرَة وجال بِبِلَاد الشرق وَرجع إِلَى دمشق فِي سنة خمس وَعشْرين فَأَقَامَ بهَا مُدَّة يتكسب بِالشَّهَادَةِ فِي بعض حوانيتها، وَقدم الْقَاهِرَة فِي سنة أَرْبَعِينَ وصنف عجائب الْمَقْدُور فِي نَوَائِب تيمور من ابْتِدَائه إِلَى انتهائه أبان فِيهِ عَن فضل كَبِير وملكة للسجع وغزارة اطلَاع بِحَيْثُ لخصه المقريزي وَترْجم مُؤَلفه فَقَالَ: نثره سجعا فعلا ووشحه بالأشعار فحلا إِلَى أَن

الصفحة 129