كتاب نيل الأوطار (اسم الجزء: 2)
457 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ، وَفِيهِ بَيَانُ امْتِدَادِ الْوَقْتِ إلَى ثُلُثِ اللَّيْلِ أَوْ نِصْفِهِ، وَقَدْ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي ذَلِكَ. فَذَهَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَالْقَاسِمُ وَالْهَادِي وَالشَّافِعِيُّ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إلَى أَنَّ آخِرَ وَقْتِ الْعِشَاءِ ثُلُثُ اللَّيْلِ وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ جِبْرِيلَ وَحَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي التَّعْلِيمِ وَقَدْ تَقَدَّمَا، وَفِي قَوْلٍ لِلشَّافِعِيِّ أَنَّ آخِرَ وَقْتِهَا نِصْفُ اللَّيْلِ وَاحْتَجَّ بِمَا تَقَدَّمَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، وَفِي بَابِ أَوَّلِ وَقْتِ الْعَصْرِ وَفِيهِ: وَوَقْتُ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ، وَبِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ هُنَا وَبِحَدِيثِ عَائِشَةَ وَأَنَسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ وَسَتَأْتِي وَغَيْرِ ذَلِكَ
وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ الْمَصِيرُ إلَيْهَا مُتَعَيِّنٌ لِوُجُوهٍ الْأَوَّلُ: لِاشْتِمَالِهَا عَلَى الزِّيَادَةِ وَهِيَ مَقْبُولَةٌ. الثَّانِي: اشْتِمَالُهَا عَلَى الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ وَتِلْكَ أَفْعَالٌ فَقَطْ وَهِيَ لَا تَتَعَارَضُ وَلَا تُعَارِضُ الْأَقْوَالَ، وَالثَّالِثُ: كَثْرَةُ طُرُقِهَا.
وَالرَّابِعُ: كَوْنُهَا فِي الصَّحِيحَيْنِ، فَالْحَقُّ أَنَّ آخِرَ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ نِصْفُ اللَّيْلِ، وَمَا أَجَابَ بِهِ صَاحِبُ الْبَحْرِ مِنْ أَنَّ النِّصْفَ مُجْمَلٌ فَصَّلَهُ خَبَرُ جِبْرِيلَ فَلَيْسَ عَلَى مَا يَنْبَغِي، وَأَمَّا وَقْتُ الْجَوَازِ وَالِاضْطِرَارِ فَهُوَ مُمْتَدٌّ إلَى الْفَجْرِ لِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَفِيهِ «لَيْسَ فِي النَّوْمِ تَفْرِيطٌ إنَّمَا التَّفْرِيطُ عَلَى مَنْ لَمْ يُصَلِّ الصَّلَاةَ حَتَّى يَجِيءَ وَقْتُ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى» فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي امْتِدَادِ وَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى دُخُولِ وَقْتِ الصَّلَاةِ الْأُخْرَى إلَّا صَلَاةَ الْفَجْرِ فَإِنَّهَا مَخْصُوصَةٌ مِنْ هَذَا الْعُمُومِ بِالْإِجْمَاعِ. وَأَمَّا حَدِيثُ عَائِشَةَ الْآتِي بِلَفْظِ: " حَتَّى ذَهَبَ عَامَّةُ اللَّيْلِ " فَهُوَ وَإِنْ كَانَ فِيهِ إشْعَارٌ بِامْتِدَادِ وَقْتِ اخْتِيَارِ الْعِشَاءِ إلَى بَعْدِ نِصْفِ اللَّيْلِ وَلَكِنَّهُ مُؤَوَّلٌ لِمَا سَيَأْتِي.
457 - (وَعَنْ جَابِرٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّي الظُّهْرَ بِالْهَاجِرَةِ وَالْعَصْرَ، وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ، وَالْمَغْرِبَ إذَا وَجَبَتْ الشَّمْسُ، وَالْعِشَاءَ أَحْيَانًا يُؤَخِّرُهَا وَأَحْيَانًا يُعَجِّلُ إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا عَجَّلَ، وَإِذَا رَآهُمْ أَبْطَئُوا أَخَّرَ، وَالصُّبْحَ كَانُوا أَوْ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُصَلِّيهَا بِغَلَسٍ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) .
قَوْلُهُ: (بِالْهَاجِرَةِ) هِيَ شِدَّةُ الْحَرِّ نِصْفُ النَّهَارِ عَقِبَ الزَّوَالِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ مِنْ الْهَجْرِ وَهُوَ التَّرْكُ؛ لِأَنَّ النَّاسَ يَتْرُكُونَ التَّصَرُّفَ حِينَئِذٍ لِشِدَّةِ الْحَرِّ وَيُقِيلُونَ وَقَدْ تَقَدَّمَ تَفْسِيرُهَا بِنَحْوٍ مِنْ هَذَا. قَوْلُهُ: (وَالشَّمْسُ نَقِيَّةٌ) أَيْ صَافِيَةٌ لَمْ تَدْخُلهَا صُفْرَةٌ قَوْلُهُ: (إذَا وَجَبَتْ) أَيْ غَابَتْ وَالْوُجُوبُ: السُّقُوطُ كَمَا سَبَقَ قَوْلُهُ: (إذَا رَآهُمْ اجْتَمَعُوا) فِيهِ مَشْرُوعِيَّةُ مُلَاحَظَةِ أَحْوَالِ الْمُؤْتَمِّينَ وَالْمُبَادَرَةُ بِالصَّلَاةِ مَعَ اجْتِمَاعِ الْمُصَلِّينَ؛ لِأَنَّ انْتِظَارَهُمْ بَعْدَ الِاجْتِمَاعِ رُبَّمَا كَانَ سَبَبًا لِتَأَذِّي بَعْضِهِمْ، وَأَمَّا الِانْتِظَارُ قَبْلَ الِاجْتِمَاعِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِأَنَّهُ
الصفحة 16
416