كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

الغزوة أنظار المسلمين إلى خطر بقاء أولئك المعاهدين في الثغور والقواعد الأندلسية، فانقلبت الحكومة الإسلامية إلى مطاردتهم، وأفتى القاضي أبو الوليد بن رشد (الجَدَّ) بإدانتهم في نقض العهد والخروج على الذمة، ووجوب تغريبهم وإجلائهم عن الأندلس، وأخذ أمير المرابطين علي بن تاشفين بهذه الفتوى، وغُرِّبَت ألوف من النصارى المعاهدين إلى إفريقية، وفُرِّقوا هناك إلى أماكن مختلفة، وهلك الكثير منهم بسبب الطقس وتغير وسائل التغذية، وضم السلطان كثيراً منهم إلى حرسه الخاص، وكانت هذه المحنة سبباً في تمزيق عصبتهم وإضعاف شوكتهم (1).
وقد كان مجتمع المستعربين أو النصارى المعاهدين حتى في القواعد الأندلسية التي سقطت بيد إسبانيا النصرانية، وبسط عليها النصارى حكمهم، يتأثرون بمجتمع المدجنين وبأحواله وتقاليده، حتى أنهم كانوا يتخذون اللغة العربية لغة التعامل ولغة التخاطب أحياناً إلى جانب لسانهم القومي.
على أن الكثرة الغالبة من المسلمين في القواعد الأندلسية الذاهبة، كانت تؤثر الالتجاء إلى أرض الإسلام والتشبث بلواء الدولة الإسلامية. وهكذا أخذت غرناطة تموج منذ أواسط القرن السابع الهجري بسيول الوافدين عليها من بلنسية ومرسية وقرطبة وإشبيلية وجيّان وبيّاسة وغيرها، وهكذا غدت مملكة غرناطة الصغيرة تضيق بسكانها المسلمين، بعد أن احتشدت بقايا الأمة الأندلسية المتداعية في تلك المنطقة الضيقة. ومن المرجّح أن مملكة غرناطة كانت تضمُّ في عصورها الأخيرة، زهاء خمسة أو ستة ملايين من الأنفس، وكانت غرناطة وحدها تضم أكثر من مليون نفس.
_______
(1) أنظر الإحاطة (1/ 115 - 120) والحلل الموشية (70 و 81) وتاريخ المرابطين والموحدين لأشباخ (155 و 157).

الصفحة 122