كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

القشتالية، ويرتدي الملابس الإفرنجية، ويحشد في جيشه كثيراً من الضباط والجند النصارى (1). ولم يكن للعاطفة الدينية في تلك العصور وفي تلك الظروف دائماً كبير أثر، بل كانت تغلب في معظم الأحيان عواطف القومية والمصلحة الخاصة (2). كذلك كان بين سكان غرناطة أقلية يهودية قوية، معظمهم من طائفة (السفرديم) القديمة أو اليهود الإسبان، وكان ليهود في ظل الحكومات الإسلامية نفوذ يذكر، وكانت العروبة تغلب على السكان المدنيين في مملكة غرناطة، ولا سيما بعد أن نزح إليها - على أثر سقوط القواعد الأندلسية بيد النصارى - كثير من سادات البطون العربية القديمة، ويذكر لنا ابن الخطيب عشرات من الأنساب العربية العريقة التي كان ينتمي إليها أهل غرناطة. ويصف ابن الخطيب الغرناطيين بوسامة الوجوه، واعتدال القدود، وسواد الشّعر، ونضرة اللّون، وأناقة الملبس، وحسن الطاعة والإباء، يتحدثون بعربية فصيحة تغلب عليها الإمالة. ويصف نساءهم بالجمال والرشاقة والسِّحر وبنبل الخلال، ولكنه ينعي عليهنّ المبالغة في التفنّن بالزينة والتبهرج في عصره. أما الجند، فكانت فيهم كثرة ظاهرة من البربر، ولاسيما من قبائل زناتة ومغراوة وبني مرين، ويرجع ذلك إلى أن طوائف البربر التي تخلّفت منذ عهد المرابطين والموحّدين بالأندلس، كان أغلبها من الجند، وقد بقيت على عهدها تؤثر الجندية على الزراعة والمهن والفنون المدنية (3).
وهكذا كان الشعب الأندلسي، حين آذنت شمسه بالمغيب، كما كان يوم مجده، يتكون من هذا المزيج العربي الإفريقي الأسباني الذي أطلق عليه الغربيون عبارة: (عرب الأندلس) أو (مسلمي الأندلس) (4).
_______
(1) الإحاطة (2/ 87).
(2) Dr. Lea: History of the Inquisition , v. 1. p. 50.
(3) أنظر الإحاطة في أخبار غرناطة (القاهرة 1955) - (1/ 140 - 145) واللمحة البدرية (27 - 28).
(4) وهي بالإسبانية ( Los Moros) وبالإنكليزية ( The Moors) وبالفرنسية ( Les =

الصفحة 124