كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

العصور الوسطى، لم يكن يحارب من أجل دينه أو وطنه، بل كان مثل (السيد) يحارب لكسب عيشه سواء في ظل أمير مسلم أو أمير نصراني. ولقد كان (السيد) نفسه أقرب إلى روح المسلم منه إلى الكاثوليكي (1)، وفي حياة (السيد) الكمبيدور (الكنبيطور) (2) نفسه أوضح مثل لاتجاهات الفروسية الإسبانية في تلك العصور، فقد نشأ (السيد) وظهر في كنف أمير مسلم، وتقلّب في خدمة الأمراء المسلمين والنصارى على السواء، بل لقد خدم الأمراء المسلمين أكثر مما خدم الأمراء النصارى، ولو لم يمت وهو في خدمة الجانب النصراني، لما حفلت به الأساطير الإسبانية، ورفعته إلى مرتبة البطل القومي (3)، وفي أحيانٍ كثيرة، نرى المرتزقة من الفرسان والجند النصارى يعملون في الجيوش الإسلامية. وفي مواطن عديدة من تاريخ إسبانيا النصرانية، نرى الملوك والأمراء النصارى خلال الحروب الأهلية يلوذون بحماية الأمراء المسلمين، فقد لجأ سانشو ملك ليون إلى حماية عبد الرحمن الناصر حينما استأثر أخوه أردونيو بالملك دونه، ولجأ الفونسو السادس ملك قشتالة إلى حماية المأمون بن ذي النون أمير طليطلة حينما تغلّب عليه أخوه سانشو الثاني وعاش في بلاطه حتى توفي أخوه، فلما ارتقى عرش قشتالة
_______
(1) Dozy: Recherches sur l'Histoire de Litterature de l'Espagne Pendant le Moyenage; v. 11. p. 2.3 & 233.
(2) وبالإسبانية ( El Cid Campeador) ومعناها: السيد الباسل جداً.
(3) يختلف التفكير الغربي في تقديره للسيد الكمبيدور ومنزلته من البطولة، فيرى دوزي في كتابه ( Le Cid) أنّه ليس سوى جندي مغامر يجمع في شخصه من رذائل عصره أكثر مما يجمع من فضائله. ويجاريه في هذا الرأي معاصره الفرنسي رينان، ويقول: "إنّه لم يفقد بطل بخروجه من حيز الأسطورة إلى حيّز التاريخ كما فقد السيد". ولكن الإسباني منندث بيدال يخالف هذا الرأي، ويبالغ في تقديره للسيد ويقول: "إنّ الشعر والتاريخ يتفقان في شأنه، وأنّه بالعكس لا يوجد بطل ملاحم أكثر لمعاناً في ظلّ التاريخ ". La Espana del Cid; vol. 11. p. 594. R.M. Pidal.: وهكذا فقد دأب المؤلفون الإسبان على الانحياز المطلق، بل التعصب لكل ما هو إسبانيّ.

الصفحة 132