كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

المسلمين، وكان مثل أبيه فرديناند الثالث، يرى أنّ دولة الإسلام في الأندلس قد دنت نهايتها، ويتربّص الفرصة بالمملكة الإسلامية الفتية، ويحاول كأبيه القضاء عليها قبل استفحال أمرها. ولم يكن ملك غرناطة بغافل عن الخطر الذي يتهدده في مشاريع قشتالة، وكان محمد بن الأحمر قد أوصى ولده بالحرص على محالفة بني مرِين ملوك العُدْوَة والاستنجاد بهم كلّما لاح شبح الخطر الداهم (1). وكان بنو مرين، وهم الذين استولوا على ملك الموحِّدين بعد ذهاب دولتهم، يومئذ في عنفوان قوتهم، وكانت مملكتهم الفتية، تشغل في نظر الأندلس ونظر إسبانيا النصرانية، نفس الفراغ الذي تركه ذهاب دولة المرابطين ثم دولة الموحِّدين، وكان من الطبيعي أن تؤدي هذه الدولة الجديدة في ميدان السياسة والحرب نحو الأندلس الدور الذي أدّته المملكتان المغربيتان الذاهبتان. وبنو مرين بطن من بطون قبيلة زناتة البربرية الشهيرة، التي تنتمي إليها عدة من القبائل التي لعبت أدواراً بارزة في تاريخ المغرب، مثل مغراوة ومغيلة ومديونة وجراوة وعبد الواد وغيرهم. ومع ذلك فإن بني مرين يُرجعون نسبهم إلى العرب المضرية، وذلك بالانتساب إلى قيس عيلان بن مضر بن نزار. وجدهم الأعلى جرماك بن مرين بن ورتاجي بن ماخوخ (2). وكانت القبائل المرينية في بداية أمرها من العشائر البدوية المتنقلة، تجول في هضاب المغرب وصحاريه جنوبي تونس، وتسير نحو المغرب أيام الصيف. وفي فاتحة القرن السابع الهجري، نشبت الحرب بينهم وبين بني عبد الواد، فتوغّلوا في هضاب المغرب، ونزلوا بوادي ملوية الواقع بين المغرب والصحراء، وأقاموا هنالك حيناً، وكانت قوى الموحِّدين قد تضعضعت منذ موقعة العِقاب (609 هـ) (3)، وسرت إلى دولتهم عوامل التفكك والانحلال. ولما توفّى ملكهم الناصر، وهو المهزوم في موقعة العقاب سنة (610 هـ)
_______
(1) الذخيرة السنية (162) وابن خلدون (7/ 191).
(2) الذخيرة السنية (10 و 11 و 16).
(3) الذخيرة السنية (52 - 53) والاستقصا لأخبار دول المغرب الأقصى (2/ 3 و 5).

الصفحة 137