كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

ولبث أبو يوسف بالجزيرة بضعة أسابيع، قُسّمت فيها الغنائم واستراحت الأجناد، ثم خرج للمرة الثانية في جمادى الأولى سنة (674 هـ)، وتوغّل غازياً في أرض قشتالة، حتى وصل إلى أحواز إشبيلية، فأغلقت المدينة أبوابها. وعاث أبو يوسف في تلك الأنحاء، ثمّ سار إلى شريش، فضرب حولها الحصار، فخرج إليه زعماء المدينة ورهبانها، وطلبوا إليه الأمان والصلح، فأجابهم إلى طلبهم، وعاد إلى قواعده مثقلاً بالغنائم والسّبى. وقضى بضعة أسابيع في الجزيرة الخضراء، ثم عبر البحر إلى المغرب في أواخر شهر رجب (674 هـ) بعد أن قضى في الأندلس زهاء خمسة (1).
على أن هذا النصر الباهر، الذي أحرزه السلطان أبو يوسف المريني على النصارى، لم يحدث أثره المنشود في بلاط الأندلس، ذلك أن ابن الأحمر، جنح إلى الارتياب في نيات ملك المغرب، وبخاصة مذ أسبغ السلطان حمايته على بني أشقيلولة وغيرهم من الخوارج على ملك غرناطة، ومثلت بذهنه مأساة الطوائف وغدر المرابطين (2) بهم. وبعث ابن الأحمر إلى السلطان قبيل مغادرته الجزيرة الخضراء، يعاتبه لتصرفه في حقه بقصائد مؤثرة يستعطفه فيها ويستنصره، والسلطان يجيبه عنها بقصائد مثلها (3).
وفي أوائل سنة 676 هـ، توفى أبو محمد بن أشقيلولة صاحب مالقة، فعبر ولده محمد إلى المغرب، ونزل عنها للسلطان، فبعث إليها السلطان حاكماً من قبله، فزاد ذلك في توجّس ابن الأحمر، وأرسل وزيره أبا سلطان عزيز الداني في بعض قواته إلى مالقة ليحاول الاستيلاء عليها، فلم يوفّق. ولم تمض أشهر قلائل على ذلك حتى عبر السلطان أبو يوسف المنصور البحر إلى الأندلس للمرة الثانية في سنة (677 هـ) - (1278 م) ونزل بمالقة، فاحتفل به
_______
(1) الناشر: جاءت في المخطوطة غير محددة. ولعلها خمسة أسابيع.
(2) ابن خلدون (7/ 198).
(3) أنظر أمثلة من القصائد في نهاية الأندلس (92 - 93)، وأنظر ابن خلدون (7/ 198 - 200).

الصفحة 143