كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

3 - أبو الحجّاج يوسف بن أبي الوليد وأحداث أيامه
وولي العرش بعده أخوه أبو الحجّاج يوسف بن أبي الوليد، وهو فتى في السادسة عشر من عمره، وكان من أعظم ملوك بني نصر وأبعدهم همّة. وأرفعهم خلالاً. وكان عالماً شاعراً يحمي الآداب والفنون، وهو الذي أضاف إلى قصر الحمراء أعظم منشآته وأروعها. وما كاد يتبوّأ العرش، حتى عُنِي بتتبّع بني أبي العلاء قتلة أخيه، وتجريدهم من وظائفهم، وتمزيق عصبتهم، والقبض على شيوخهم، وكان ذلك في الوقت نفسه تحقيقاً لرغبة السلطان أبي الحسن. ثم نفاهم في السفن إلى تونس، وانتهت بذلك رياستهم بالأندلس، بعد أن طالت زهاء نصف قرن. ولما نزلوا على سلطان تونس أبي يحيى، طالب السلطان أبو الحسن بتسليمهم، فأرسلهم إليه أبو يحيى ولكن مع طلب الشفاعة فيهم، فعفا عنهم أبو الحسن، وأكرم مثواهم مدى حين، ولكنه عاد وقبض عليهم بتهمة التآمر عليه، وأودعهم السجن (1).
وقام بتدبير الأمور للسلطان أبي الحجّاج وزير أخيه الحاجب أبو النّعيم رضوان، وكان هو الوزير القوي الذي لعب في تاريخ غرناطة دوراً مهماً، من أصل نصراني قشتالي أو قطلوني، وسبي طفلاً في بعض المواقع، فأخذ إلى الدار السلطانية، ونشأ في بلاط السلطان أبي الوليد إسماعيل (2). وظهرت نجابته وصفاته الممتازة، فعهد إليه بتربية ولده أبي عبد الله محمد. ولما تولَّى محمد الملك بعد أبيه، تولى وزارته الحاجب رضوان، فأظهر في تدبير الشئون كفاية متميزة، وقاد بعض الغزوات الناجحة إلى أرض النصارى، فغزا في سنة (732 هـ) أراضي قشتالة شرقاً حتى لورقة ومرسية وعاث فيها. وفي العام التالي غزا مدينة باغة واستولى عليها (3)، ولما تولى الملك السلطان
_______
(1) ابن خلدون (7/ 264).
(2) الإحاطة (1/ 515).
(3) الإحاطة (1/ 548 - 549).

الصفحة 165