كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

المقاييس المادية حسب.
وإدراك السَّمح أنّ الفرنج متفوقون عليه، ومع ذلك لم يَهُن ولم تتزعزع معنوياته، دليل على أنه كان قائداً بصيراً بالأمور، لا تخفى عليه منها خافية، فلم يُؤْت من قِبَل غفلته، بل أُتِيَ من قِبَل حرصه على الشهادة وحرص رجاله عليها، فحقّق الله لهم وله أمنيتهم، فكان لهم إحدى الحُسْنَيين: النّصر أو الشهادة.
وما كان لمثل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه، وهو مَن هو عدلاً واستقامة، أن يولّي السَّمح أخطر منطقة من مناطق المسلمين وبلادهم، وهي الأندلس، لو لم يجد فيه الكفاية المتميِّزة في الإدارة والقيادة، فقد كان الوالي يومئذ إدارياً وقائداً، بل كانت سِمة القيادة فيه تعلو على سِمة الإدارة، وكان عمر وأمثاله من الخلفاء، يحرصون غاية الحرص على أن يضعوا الرجل المناسب في الواجب المناسب. كما أنّ فصل الأندلس عن ولاية إفريقيّة والمغرب، وجعل الأندلس مستقلّة عن ولاية إفريقيّة والمغرب بعد تولية السَّمح من عمر بن عبد العزيز، دليل على ثقة عمر بكفاية السَّمح في الإدارة والقيادة، وإلاّ لما فصل الأندلس وجعلها مرتبطة بالخلافة مباشرة، ولأبقاها كما كانت عليه من قبل، تابعة لولاية إفريقيّة والمغرب.
لقد كان السَّمح من القادة القادرين على إصدار القرار الصحيح السريع، وقراره في مواجهة الفرنج المتفوِّقين على المسلمين، بالنسبة للتفكير السائد في حينه، وبالنسبة لتفكير السَّمح، كان قراراً صحيحاً، أمّا بالنسبة للتفكير السائد اليوم، وبالنسبة لفكر العسكريين المحدثين، فقد كان قراراً غير صحيح، ولابد من الرجوع إلى الفكر السائد في حينه، للحكم على صحّة قرار السَّمح أو عدم صحته.
وكان يتمتّع بشجاعة شخصية نادرة، ولولا شجاعته لما واجه الفرنج المتفوقين على المسلمين عَدَداً، وقاتلهم قتال الأبطال.
وكان ذا إرادة قويّة ثابتة، إذا عزم على أمر، واعتقد أنّ تنفيذه صواب،

الصفحة 18