كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

السلطان يوسف، اتفقت الأحزاب كلها على ردّ الأمر للسلطان الأيسر، فجلس على العرش للمرة الثالثة. وبادر إلى عقد السلم مع ملك قشتالة، فعقدت الهدنة بين الفريقين لمدة عام، ولكن القشتاليين ما لبثوا بالرغم من عقدها أن أغاروا على أراضي غرناطة الشرقية، فردهم المسلمون بقيادة الوزير ابن عبد البر زعيم بني سراج، ثم هزموهم ثانية عند مدينة أرشذونة، وقُتِل وأُسِر منهم عدد كبير (838 هـ - 1434 م).
وفي العام التالي، سار السلطان الأيسر لقتال القشتاليين، في أحواز غرناطة ووادي آش، وهزمهم غير مرة، ثم عاد النصارى فأغاروا على بسطة ووادي آش، واحتلوا بعض الحصن والقرى المجاورة، وزحفت قوة كبيرة من النصارى بقيادة حاكم لبلة، على ثغر جبل طارق، ولكن أهل الثغر باغتوا النصارى وهزموهم، وقتل قائدهم وكثير منهم (840 هـ - 1436 م). ثم نشبت بعد ذلك بين المسلمين والنصارى موقعة أخرى على مقربة من كازورلا، أصيب الفريقان فيها بخسائر فادحة، وانتهت بنصر المسلمين، ولكن قائدهم الفارس ابن سراج، وهو ولد الوزير السابق، سقط قتيلاً في المعركة، فحزنت غرناطة لفقده، وقد كان يخلب الشعب الغرناطي بظرفه وبارع فروسته (1).
وهكذا استمر الصراع بضعة أعوام سجالاً، بين المسلمين والنصارى. ولما رأى النصارى كثرة خسائرهم وعقم محاولاتهم، لجأوا إلى السكينة حيناً. وأرسل السلطان الأيسر في أواخر عهده إلى مصر سفارة يرجو فيها سلطان مصر الإنجاد والغوث لما رآه من اشتداد وطأة النصارى على أراضي مملكته. وهذه أول مرة تتجه فيها مملكة غرناطة إلى الاستنجاد بمصر، وقد كانت حتى ذلك الحين تتجه دائماً إلى ملوك العدوة، وكانت حوادث غرناطة يومئذ تنذر بتطورات جديدة مزعجة، ذلك أن السلطان الأيسر بالرغم من حسن بلائه ضد النصارى لم يحسن السيرة في الداخل، ولم ينجح في اجتذاب
_______
(1) Lafuente Alcantra , ibid; V. 111. P. 147-150.

الصفحة 192