كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

فوق رؤوسنا، وقد حلت نهاية دولة الإسلام بالأندلس" (1). على أن هذا الظفر المؤقت كان له أعظم الأثر في إحياء معنويات الشعب الغرناطي، ولاح لإسبانيا النصرانية يومئذٍ أن الأندلس المحتضرة تكاد تبدأ حياة جديدة من القوة. ولكن هذا النصر الخلّب لم يطل أمده، ذلك لأن أبا الحسن لم يلبث أن ركن إلى الدّعة، وأطلق العنان لأهوائه وملاذِّه، وبذر حوله بذور السخط والغضب، بما ارتكبه في حق الأكابر والقادة من صنوف العسف والشدّة، وما أساء إلى شئون الدولة والرعية، وما أثقل به كاهلهم من صنوف المغارم، وما أُغرق فيه من صنوف اللهو والعبث، وكان وزيره أبو القاسم بنيغش يجاريه في أهوائه وعسفه، ويتظاهر أمام الشعب بغير ذلك. وهكذا عادت عوامل الفساد والانحلال والتفرق إلى مملكة غرناطة، تعمل عملها الهادم، وتحدث آثارها الخطرة (2).
وكان السلطان أبو الحسن قد اقترن بابنة عمه السلطان الأيسر (3) اسمها عائشة، وهي أم أبي عبد الله آخر ملوك غرناطة. وتحتل شخصية عائشة الحرّة في حوادث سقوط غرناطة مكانة بارزة، وليس في تاريخ تلك الأيام الأخيرة من المأساة الأندلسية شخصية تثير الإعجاب والاحترام، ومن الأسى والشجن، قدر ما يثير ذكر هذه الأميرة النبيلة الساحرة، التي تذكرنا خِلالها السامية ومواقفها الباهرة وشجاعتها المثلى إبان الخطوب المدلهمة، بما نقرأ من أساطير البطولة القديمة من روائع السير والمواقف.
وكانت عائشة (الحرّة) ملكة غرناطة في ظل ملك يحتضر، ومجد يشع بضوئه الأخير، ليخبو ويغيض، وقد رزقت من زوجها الأمير أبي الحسن بولدين هما: أبو عبد الله محمد، وأبو الحجاج يوسف. وكانت روح العزم
_______
(1) Lafuente Alcantra; ibid , V. 111. P. 202-205. وكذلك Conde: ibid; V. 111. P. 210,211.
(2) أنظر كتاب: أخبار العصر في انقضاء دولة بني نصر (3).
(3) أخبار العصر: طبعة ميللر (6) وطبعة تطوان (5).

الصفحة 204