كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

ولديها محمد ويوسف كل حق في الملك، وكان أكبرهما أبو عبد الله محمد ولي العهد المرشح للعرش، وكان أشراف غرناطة يؤثرون ترشيح سليل بيت الملك، على عقب الجارية النصرانية. ولكن ثريا لم تيأس ولم تفتر همتها، فمازالت بأبي الحسن، حتى نزل عند تحريضها ورغبتها، وأقصى عائشة ووليدها عن كل عطف ورعاية، ثم ضاعفت ثريا سعيها ودسّها، حتى أمر السلطان باعتقال عائشة وولديها، فزجّوا في برج قمارش أمنع أبراج الحمراء، وشدّد في الحجر عليهم، وعوملوا بمنتهى الشدّة والقسوة.
وأثار هذا التصرف غضب كثير من الكبراء الذين يؤثرون الأميرة الشرقية وولديها بعطفهم وتأييدهم، وكان ذلك نذير الاضطراب والخلاف في المجتمع الغرناطي. وانقسم الزعماء والقادة إلى فريقين خصمين: فريق يؤيد الأميرة الشرعية وولديها، وفريق يؤيد السلطان وحظيّته، واستأثر الفريق الأخير بالنفوذ مدى حين، واضطرمت الأهواء والشهوات والأحقاد، واشتد السخط على أبي الحسن وحظيته التي أضحت سيدة غرناطة الحقيقة، واستأثرت بكل سلطة ونفوذ. وذهبت ثريا في طغيانها إلى أبعد حد، فحرّضت الملك على إزهاق ولده أبي عبد الله عثرة آمالها.
وكانت عائشة وافرة العزم والشجاعة، فلم تستسلم إلى قدرها، بل عمدت إلى الاتصال بعصبتها وأنصارها، وفي مقدمتهم بنو سراج أقوى أُسر غرناطة، وأخذت تدبّر معهم وسائل الفرار والمقاومة. ولم يغفر السلطان أبو الحسن لبني سراج هذا الموقف قط، ويقال إنه عمد فيما بعد إلى تدبير إهلاكهم في إحدى أبهاء الحمراء. ولما وقفت الأميرة عائشة من أصدقائها على نيّة أبي الحسن، قررت أن تبادر بالعمل، وأن تغادر قصر الحمراء مع ولديها بأية وسيلة. وفي ليلة من ليالي جمادى الثانية سنة (887 هـ - 1482 م)، استطاعت الأميرة أن تفر مع ولديها محمد ويوسف بمعونة بعض الأصدقاء المخلصين، والرواية الإسلامية تشير إلى فرار الأميرين فقط دون

الصفحة 207