كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

2 - مأساة النّفي
أ - تلك هي البواعث والظروف التي حملت إسبانيا النصرانية، على التوجس من العرب المتنصرين، واعتبارهم خطراً قومياً يجب العمل على درئه والتخلص منه؛ وكان هذا التوجس يزيد على كرّ الأعوام، وتذكيه الحوادث المتوالية: ثورات الموريسكيين ولا سيما ثورة غرناطة الكبرى، وغارات المجاهدين البحرية على الشواطئ الإسبانية، وصلات الموريسكيين الدائمة بمسلمي إفريقية وبلاط القسطنطينية. وسواء أكان هذا الخطر حقيقة يهدد سلامة إسبانيا، أم كان للتحامل والبغض أثر في تصويره، فقد غدت قضية العرب المتنصرين، غير بعيد في نظر السياسة الإسبانية، مشكلة قومية خطيرة يجب التذرع لمعالجتها بأشد الوسائل وأنجعها.
وكانت السياسة الإسبانية، تعتزم منذ أواخر عهد فيليب الثاني، أن تتخذ خطوتها الحاسمة في شأن الموريسكيين، وكان هذا الملك المتعصب نفى الموريسكيين بعد الذي عانته إسبانيا في قمع ثورتهم، ووضع بالفعل في سنة (1582 م) مشروعاً لنفيهم، ولكن مشاغل السياسة الخارجية حالت دون تحقيق مشروعه. وكان قد مضى يومئذ زهاء قرن على سقوط غرناطة، واستحالت بقية الأمة الأندلسية إلى شعب جديد، لا تكاد تربطه بالماضي سوى ذكريات غامضة. وكان التنصير قد عم الموريسكيين يومئذ، وغدا أبناء قريش ومضر بحكم القوة والضغط والإرهاب، نصارى يشهدون القداس في الكنائس، ويتكلمون القشتالية، غير أنهم لبثوا مع ذلك في معزل، وأبت إسبانيا النصرانية، بعد أن فرضت عليهم دينها ولغتها ومدنيتها، أن تضمهم إلى حظيرتها القومية. وكانت ما تزال ثمة منهم جموع كبيرة في بلنسية ومرسية وغرناطة، وغيرها من القواعد الأندلسية القديمة، وكانوا مايزالون رغم العسف والإرهاق والاضطهاد والتشريد والذلّة، قوة أدبية واجتماعية خطيرة، وعنصراً بارزاً في إنتاج إسبانيا القومي، ولا سيما في الصناعات والفنون. ولكن السياسة الإسبانية كانت

الصفحة 380