كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

النفي أرفق ما يمكن عمله، وأيد رأيه معظم الأعضاء الآخرين، وذكروا أن نفي الموريسكيين أصبح ضرورة لا مفر منها، لأنهم يتكاثرون بسرعة، بينما يتناقص عدد النصارى القدماء. وبحثت تفاصيل المشروع ووسائله، وما يجب اتخاذه من التحوطات لضمان تنفيذه، خصوصاً وقد بدأت أنباء المشروع تتسرب إلى الموريسكيين، وظهرت بينهم أعراض الهياج في سرقسطة وبلنسية. وكانت الخطوة التالية أن عُهد بدرس المشكل كلّه، إلى لجنة خاصة على رأسها الدوق دى ليرما، ووضعت هذه اللجنة أسس المشروع التمهيدية بعد كبير جدل، وخلاصتها أن يمنح الموريسكيون شهراً لبيع أملاكهم ومغادرة إسبانيا إلى حيث شاءوا، فمن جاز منهم إلى إفريقية منح السفر الأمين، ومَن جاز إلى أرض نصرانية أُوصِي به خيراً، ومَن تخلف عن الرحيل بعد انقضاء هذه المدة عوقب بالموت والمصادرة؛ ولم يعترض أحد على هذه الأسس بذاتها، ولكن هذه الأسس الرفيقة نوعاً ما لم يؤخذ بها.
وفي كانون الثاني - يناير من سنة (1609 م) بحث مجلس الدولة المسألة لآخر مرة، وقدم تقريراً ينصح فيه بوجوب نفي الموريسكيين لأسباب دينية وسياسية فصّلها، وأهمها تعرّض إسبانيا يومئذ لخطر الغزو من مراكش وغيرها. وقيام الأدلة على أن الموريسكيين جميعاً خونة مارقون، يستحقون الموت والرق، ولكن إسبانيا تؤثر الرفق بهم، وتكتفي بنفيهم من أراضيها. وتقرر أن ينفذ المشروع كله هذا العام في الخريف منه، وأرسلت الأوامر إلى حكام صقلية ونابولي وميلان، بإعداد جميع السفن الممكنة لنقل الموريسكيين، وجمع القوات اللازمة لحوراستهم، واجتمعت منذ أوائل الصيف في مياه ميورقة، عشرات السفن المطلوبة، وسارت أهبة التنفيذ بسرعة ونشاط.
وهكذا انتهت السياسة الإسبانية بعد مدة من التردد، إلى اتخاذ خطوتها الحاسمة في القضاء على البقية الباقية من الموريسكيين، وتحقيق أمنيتها القديمة في (تطهير) إسبانيا نهائياً من آثار الإسلام وآثار العرب، ومحو تلك

الصفحة 383