كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

أما الكثرة الساحقة من الموريسكيين، فقد هرعت إلى اتخاذ أهبة الرحيل، وأخذوا في بيع ما تيسر بيعه من المتاع، وتدفقت السلع على الأسواق، من الماشية والحبوب والسكر والعسل والملابس والأثاث وغيرها، لتباع بأبخس الأثمان. بُدئ بتنفيذ قرار النفي في الجهات التي نشر فيها أولاً، وهي أعمال بلنسية، وذلك منذ أوائل (تشرين الأول - أكتوبر سنة 1609 م)، وخرجت أول شحنة من هذه الكتلة البشرية المعذّبة على سفن الحكومة من ثغر دانية وبعض الثغور القريبة، وقدّرت بثمانية وعشرين ألف نفس، حملوا إلى ثغر وهران في الضفة الأخرى من البحر، وقد كان يومئذ بيد الإسبان، ثم نقلوا إلى تلمسان بحماية فرقة من الجند المرتزقة، وهناك استظلوا بحماية السلطان. وعاد بعضهم إلى إسبانيا، ليروي عن رحيل الراحلين، وكيف وصلوا في أمن وسلام. ومع ذلك فقد آثر معظم المهاجرين السفر بأجر، في سفن غير التي عينتها الحكومة الإسبانية لنقل المهاجرين وإطعامهم دون أجر، واضطرت الحكومة نتيجة لذلك أن تستدعي عدداً كبيراً من السفن الحرّة إلى مياه بلنسية، ورحل بهذه الطريقة من ثغر بلنسية زهاء خمس عشر ألفاً، معظمهم من الموسرين والمتوسطين، ورحل المنفيون من ثغر لقنت على عزف الموسيقى ونشيد الأغاني، وهم يشكرون الله على العود إلى أرض الآباء والأجداد، ولما سئل فقيه من زعمائهم عن سبب اغتباطهم، أجاب: بأنهم كثيراً ما سعوا إلى شراء قارب أو سرقته للفرار إلى المغرب، مستهدفين لكثير من المخاطر، فكيف إذا عرضت لنا فرصة السفر الأمين مجاناً، ألا ننتهزها للعود إلى أرض الأجداد، حيث نستظل بحماية سلطاننا، سلطان الترك، وهناك نعيش أحراراً مسلمين، لا عبيداً كما كنا؟!
وكانت الجنود تحرس المنفيين في معظم الأحوال، حماية لهم من جشع النصارى الإسبان، الذين انتظموا في عصابات لمهاجمة المنفيين ونهبهم وقتلهم أحياناً. وفضلاً عن ذلك فإن تنفيذ قرار النفي لم يجرِ دائماً في يسر وسهولة، فقد أبى كثير من الموريسكيين في الجبل الخضوع للأوامر لعدم

الصفحة 386