كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

الإسلامية مُقِلَة حول ذلك، شأنها في تاريخ الأندلس منذ سقوط غرناطة، فهي لا تُعنَى بتتبع مصير العرب المتنصرين، كما تعني الرواية الغربية بها، ولا تقدم لنا عن مأساة النفي سوى بعض الشذرات والإشارات الموجزة.
وأهم وأوفى ما وقفنا عليه من ذلك، رواية معاصرة عن أحوال الموريسكيين، ومساعيهم السريّة للمحافظة على دينهم، وظروف نفيهم، كتبها موريسكي، عاش في جيان في أوخر عهد الموريسكيين، ثم هاجر إلى تونس قبيل النفي بقليل، وكتب فيما بعد هذه الرسالة دفاعاً عن الموريسكيين المهاجرين، وشرف نسبهم، وتوكيداً لحسن إسلامهم وتمسكهم بالإسلام، ووردت خلالها حقائق تاريخية هامة، عن النفي وأسبابه وملابساته، ننقل منها ما يلي:
"لقد كثر الإنكار علينا معشر أشراف الأندلس، من كثير من إخواننا في الله، بهذه الديار الإفريقية من التونسيين وغيرهم، حفظهم الله، بقولهم: من أين لهم هذا الشرف. وقد كانوا ببلاد الكفار، دمّرهم الله، ولهم مئون من السنين كذا وكذا، ولم يبق فيهم مَن يعرف ذلك من مدة الإسلام، وقد اختلطوا مع النصارى، أبعدهم الله تعالى، إلى غير ذلك من الكلام ... ".
"مع أني صغير السن، حين دخولنا هذه الديار، عمّرها الله تعالى بالإسلام وأهله، فقد أطلعني الله تعالى على دين الإسلام بواسطة والدي، رحمة الله عليه، وأنا ابن ستة أعوام وأقل، مع أني كنت إذ ذاك أروح إلى مكتب النصارى لأقرأ دينهم، ثم أرجع إلى بيتي فيعلمني والدي دين الإسلام، فكنت أتعلم فيهما معاً، وسنّي حين حملت إلى مكتبهم أربعة أعوام. فأخذ والدي لوحاً من عود الجوز، فكتب لي فيه حروف الهجاء، وهو يسألني حرفاً حرفاً عن حروف النصارى تدريباً وتقريباً، فإذا سميت له حرفاً أعجمياً كتب لي حرفاً عربياً، فيقول حينئذٍ: هكذا حروفنا، حتى استوفى جميع حروف الهجاء في كرتين، فلما فرغ من الكرّة الأولى، أوصاني أن أكتم ذلك حتى عن والدتي وعمي وأخي، وجميع قرابتنا، وأمرني ألاّ أخبر أحداً من الخلق ... ".

الصفحة 390