كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

وقد كان والدي رحمه الله يلقنني حينئذ ما كنت أقوله حين رؤيتي للأصنام .... فلما تحقق والدي أنني أكتم أمور دين الإسلام عن الأقارب فضلاً عن الأجانب، أمرني بإفشائه لوالدتي وعمتي، وبعض أصحابه الأصدقاء فقط، وكانوا يأتون إلى بيتنا فيتحدثون في أمر الدين، وأنا أسمع، فلما رأى حزمي مع صغر سنّي، فرح غاية الفرح، وعرّفني بأصدقائه وأحبّائه وإخوانه في دين الإسلام، فاجتمعت بهم، وسافرت الأسفار لأجتمع بالمسلمين الأخيار، من جيان مدينة ابن مالك، إلى غرناطة، وإلى قرطبة وإشبيلية، وطليطلة، وغيرها من مدن الجزيرة الخضراء، أعادها الله تعالى للإسلام، فتلخص لي من معرفتهم أني ميزت سبعة رجال كانوا كلهم يحدّثونني بأمور غرناطة وما كان بها في الإسلام حينئذٍ، فباجتماعي بهم حصل لي خير كثير، وقد قرأوا كلهم على شيخ من مشايخ غرناطة، أعادها الله للإسلام، يقال له: الفقيه اللوطوري، رحمه الله تعالى ونفعنا به، فإنه كان رجلاً صالحاً، ولياً لله، فاضلاً ورعاً، زاهداً، قد قرأ القرآن الكريم في مكتب الإسلام بغرناطة، قبل استيلاء أعداء الله عليها، وهو ابن ثمانية أعوام، ثم بعد مدة يسيرة، انتزعت غرناطة من أيدي المسلمين أجدادنا، وقد أذن العدو في ركوب البحر لمن أراده، وبيع ما عنده، وإتيانه لهذه الديار الإسلامية، وذلك في مدة ثلاثة أعوام، ومَن أراد أن يقيم على دينه وماله فليفعل، بعد شروط اشترطوها، وإلزامات كتبها عدو الدين على أهل الإسلام. فلما تحرك لذلك أجدادنا، وعزموا على ترك ديارهم وأموالهم، ومفارقة أوطانهم للخروج من بينهم، وجاز إلى هذه الديار التونسية، والحضرة الخضراء بغتة مَن جاز إليها حينئذٍ، ودخلوا في زقاق الأندلس المعروف الآن بهذا الاسم، وذلك سنة اثنتين وتسعمائة، وكذا للجزائر وتطوان وفاس ومراكش وغيرها، ورأى العدو العزم فيهم، لذلك نقض العهد، فردّهم رغم أنوفهم من سواحل البحر إلى ديارهم، ومنعهم قهراً عن الخروج واللحوق بإخوانهم وقرابتهم بديار الإسلام، وقد كان العدو يظهر شيئاً ويفعل بهم شيئاً آخر، مع أن المسلمين أجددنا

الصفحة 391