كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

سفراء البندقية منذ القرن السادس عشر إلى حكومتهم ينوّهون بهذه الحقائق، ويصفون الإسبان بأنهم زرّاع وعمال كُسالى، يحتقرون العمل اليدوي، حتى أن ما يمكن عمله في البلاد الأخرى في شهر، يعمله الإسبان في أربعة أشهر (1).
ويردّد الوزير محمد بن عبد الوهاب الغسّاني سفير سلطان المغرب مولاي إسماعيل إلى إسبانيا، وقد زارها في سنة (1691 م)، أعني بعد النفي بثمانين عاماً، عن الإسبان مثل هذا الرأي، إذ يقول في رحلته: "وبحصول هذه البلاد (الهندية) - يقصد أمريكا - ومنفعتها وكثرة الأموال التي تجلب منها، صار هذا الجنس الاسبنيولي اليوم أكثر النصارى مالاً، وأقواهم مدخولاً، إلاّ أن الترف والحضارة غلبت عليهم، فقلّما تجد أحداً من هذا الجنس يتاجر أو يسافر للبلدان بقصد التجارة كعادة غيرهم من أجناس النصارى مثل الفلامنك والإنكليز والفرنسيين والجنويين وأمثالهم، كذلك الحرفة التي يتداولها السقطة والرعاع وأراذل القوم، يتأبى عنها هذا الجنس، ويرى لنفسه فضيلة على غيره من الأجناس المسيحيين" (2).
وقد كان النبلاء والأحبار، وأصحاب الضياع الكبيرة بوجه عام، يعتمدون في تعهد أراضيهم وفلاحتها، على نشاط الموريسكيين وبراعتهم، فلما وقع النفي جمد النشاط الزراعي، وخلت معظم الضياع من الزراع، وأقفر كثير من القرى، وهدمت ضياع كثيرة لخلوها من السكان ولا سيما عن منطقة بلنسية، واضطر النبلاء إلى استقدام العمال الزراعيين من الجزائر الشرقية (البليار) وأنحاء البرنية وقطلونية، ومع ذلك فقد حدث نقص ملحوظ في غلاّت الضياع الكبيرة، ولم ينتفع النبلاء بما أصابوه من الاستيلاء على الأراضي التي نزعت، وتعذر عليهم تعميرها وفلاحتها، وحاق بهم الضيق، حتى اضطر
_______
(1) Dr Lea. The Moriscos ; P. 379-381.
(2) رحلة الوزير الغسّاني المسمّاة: "رحلة الوزير في افتكاك الأسير" (العرائش 1940) ص: 44 - 45.

الصفحة 401