كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

ب - على أن التفكير الإسباني يختلف في هذا الرأي وتقدير مداه، ويهاجمه وينكره - بالأخص رجال الدين - وقد كانوا منذ البداية روح هذه السياسة المخرِّبة، وأكبر العاملين على تنفيذها. وقد استقبل رجال الدين نفي الموريسكيين بأعظم مظاهر الغبطة والرضى، واعتبروه ذروة النصر الديني؛ ويقول أحدهم وهو القس بليدا - وهو مؤرخ من مؤرخي القرن الماضي، في كتابه الذي نشره دفاعاً عن هذه الإجراءات -: "بأن عصر إسبانيا الذهبي، بدأ بذهاب الموريسكيين، وأن إسبانيا قد حققت به وحدتها الدينية، وأنقذت من مشاغلها الداخلية، وأن النفي كان أعظم حادث بعد بعث المسيح، واعتناق إسبانيا للنصرانية" (1). ويقول حبر آخر: "لقد زعم الموريسكيون أن رخاء إسبائيا قد ذهب مذ أكرهوا على التنصير، ولكن الرخاء قد عمّ بنفيهم، وازدهرت التجارة، وساد الأمن في الداخل والخارج" (2). ويقول الحبر فثنتي دى لا فونتي ( VICENTE DE LA FUENTE) في تاريخه الديني: إنه من السخرية أن يقال: إن نفي الموريسكيين كان سبباً في انحطاط إسبانيا، فإن أمة قد تفقد مائة وخمسين ألفاً في وباء أو حرب أهلية. ثم يتسائل في تهكم: لماذا ينحى على فيليب الثالث بمثل هذا اللوم؟! على أنه يعترف مع ذلك بأن النفي كان سبباً في تدهور دخل الأشراف والكنائس (3). ويروي آخرون من الأحبار، أن إسبانيا قد دفعت بالنفي ثمناً باهظاً، ولكن تحملهم نزعة فلسفية فيقولون: إن وفرة الرخاء، تذهب بالفضائل، وإنه لا بأس من التقشف مع الإيمان، وأن الفقراء استطاعوا بعد إجلاء الموريسكيين أن يجدوا أعمالاً (4).
ولكن حبراً ومؤرخاً إسبانياً كبيراً، هو دون لورنتي مؤرخ ديوان التحقيق، يحدثنا عن وسائل الديوان، ونفي الموريسكيين في قوله: "كانت هذه
_______
(1) Bleda: Difensio Fidei in Cavsa Neophglorum olive Morishorum in Hispanios.
(2) Dr Lea: The Moriscos , P. 366.
(3) Dr Lea: ibid , P. 394-396.
(4) Dr Lea: ibid , P. 367.

الصفحة 406