كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

الوسائل بقسوتها الشائنة، تذكي روع الموريسكيين من تلك المحكمة الدموية، وكانوا بدلاً من التعلّق بالنصرانية - وهو ما كانت تؤدي إليه معاملتهم بشيء من الإنسانية - يزدادون مقتاً لدين لم تحملهم إلى اعتناقه سوى القوة. وكان هذا سبب الاضطرابات التي أدت فى سنة (1609 م) إلى نفي هذا الشعب، وعدده يبلغ المليون يومئذٍ، وهي خسارة فادحة لإسبانيا تضاف إلى خسائرها الفادحة، ففي مائة وتسع وثلاثين سنة، انتزع ديوان التحقيق من إسبانيا ثلاثة ملايين، ما بين يهود، ومسلمين، وموريسكيين" (1).
ويقول الكاردينال ديشليو الفرنسي، وهو من أعظم أحبار الكنيسة في مذكراته، وكان معاصراً للمأساة: "إنها أشدّ ما سجلت صحف الإنسانية جرأة ووحشية".
هذا عن الأحبار، أما عن آراء البحث الإسباني الحديث، فإنها تختلف في تقدير آثار نفي الموريسكيين اختلافاً بيناً، بيد أنها تميل على الأغلب إلى الاعتراف بفداحة الآثار المخرّبة التي أصابت إسبانيا من جرائه، وإلى اعتباره عاملاً قوياً في تدهور إسبانيا وانحلالها، بيد أنها مع ذلك تحاول الاعتذار عن النفي، ويرى بعضهم أنه كان إجراء طبيعياً، وضرورة لا محيص عنها، وينكر بعضهم الآخر أنه كان كارثة أو أنه ترتبت عليه آثار مخربة، ونورد هنا طائفة من آراء عدد في المؤرخين والمفكرين الإسبان المحدثين، بدقة وإفاضة تسمحان بفهم الروح الإسبانية إزاء هذا الحدث التاريخي الخطير، وتقديرها على حقيقتها.
يقول دانفيلا إى كوليادو: "وهكذا تحقق نفي الموريسكيين الإسبان، بغض النظر عن كونهم شباباً أو شيوخاً، صالحين أو عقماء، مذنبين أو أبرياء. وكانت مسألة الوحدة السياسية تحمل في ثنيتها ضرورة الوحدة الدينية، وضع خطتها الملكان الكاثوليكيان، وحاول تحقيقها الإمبراطور
_______
(1) Liorente: Historia Critica de la Inquisiciande Espana (1817-1815) .

الصفحة 407