كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

شارل الخامس (شارلكان) وفيليب الثاني، ولكنهما ارتدا خشية من عواقبها. أما فيليب الثالث، فكان يزاول سلطانه على يد أصفيائه، ولذا ألفى سلطة العرش الدينية والسياسية، أيسر وأهون، وكانت الحرب الدينية تضطرم ضد الجنس الأندلسي، وقد ألفت عواطف الروح الرقيقة نفسها، وجهاً لوجه أمام المسألة السياسية. ودخلت الإنسانية والدين في صراع، وخرج الدين ظافراً، وفقدت إسبانيا أنشط أبنائها، وانتزع الأبناء من جحور أمهاتهم وحنان آبائهم، ولم يلق الموريسكي أية رأفة أو رحمة. ولكن الوحدة الدينية بدت ساطعة رائعة في سماء إسبانيا، واغتبطت الأمة إذ أضحت واحدة في جميع مشاعرها العظيمة".
"وكان الموريسكيون شديدي المراس، وكان الوطن ينشد وحدة معنوية، تغدو متممة للوحدة السياسية، التي تحققت باندماج سائر العروش في شبه الجزيرة، وكان عنصر تناقض قوي، كالذي تمثله طائفة الموريسكيين، لا يكون فقط عقبة شديدة يصعب تذليلها، ولكنه كان استحالة مطلقة، تحول دون تحقيق الغاية، التي تتجه إليها الحركة العامة للفكر القومي؛ وكانت الصعوبة كلها تجثم في الدين، ولم تكن اللغة التي كانت تبدو خاصة قومية أخرى، تكون يومئذ أو في أي وقت عقبة بمثل هذه الخطورة، ففي شمال إسبانيا، وفي شرقها، توجد اللهجات المختلفة، من الجليقية والقطلونية والميورقية والبلنسية وغيرها. وكذلك يوجد مثل هذا التباين في النظم القضائية، والثياب والعادات الخاصة بكل منطقة، ولكن ذلك لم يكن عقبة كأداء في سبيل وحدة الدين والروح القومي، ولم يخلق مثل المعضلة الدائمة التي خلقها الدين بالنسبة للموريسكيين، والتي جعلتهم دائماً في حالة دائمة من التربّص والتوجّس. إن ما بذله شارل الخامس وفيليب الثاني لإخضاع الموريسكيين للنصرانية، مما لا يمكن وصفه، ولكن جهودهم كلها ذهبت عبثاً، ذلك أنه بعد ثلاثة قرون من الخضوع، لبث الموريسكيون في عهد فيليب الثالث، يضطرمون بنفس الروح المتمردة، التي كانت لأسلافهم الذين

الصفحة 408