كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

الأيدي وفي المهارة كان من المستحيل ملؤها في الحال، ثم غدا بعد ذلك ملؤها مبهظاً بطيئاً صعباً. وقد بلغ النقص في الأنفس - وفقاً للدراسات التي قمنا بها لنتائج الحادث - على الأقل نحو مليون. ثم يأتي بعد ذلك نقص العملة الذهبية، بسبب الكميات الكبيرة التي حملوها معهم من الدوقيات، وأخيراً يأتي ذيوع النقد الزائف أو ناقص الوزن، وهو الذي ملأوا به المملكة قبل نزوحهم منها، على أن الضرر الفادح الذي لم يعوّض لسنين بعيدة، هو بلا ريب ما أصاب الزراعة والصناعة والتجارة".
"ومن ثمّ ففي وسعنا أن نقول عن بلادنا بحق: إن بلاد العرب السعيدة، قد استحالت إلى بلد العرب القفراء، وعن بلنسية بوجه خاص إن حديقة إسبانيا الغناء قد استحالت إلى صحراء جافة مشوّهة. وقد حلّ شبح الجوع بالاختصار في كل مكان، وحلّ محل المرح الصاخب للقرى العامرة، الصمت الموحش في الأمكنة المهجورة؛ وبدلاً من أن ترى أمامك العمال والصناع، فإنك تغامر بأن تقابل قطّاع الطرق يملؤونها ويجثمون في أطلال القرى المهجورة. ولئن كان ثمة فريق من السادة الملاك الذين أفادوا من مخلّفات المنفيين، فقد كان ثمة عدد أكبر بكثير ممن خسروا، وانتهى بعضهم إلى الموقف المؤلم، بأن يلتمسوا من الحكومة نفقة لإطعامهم، ولم يك بينهم أحد قط ممن غنم كما غنم الدوق دى ليرما وأسرته، وقد استولوا على جزء من أثمان بيع منازل الموريسكيين، بلغ نحو خمسة ملايين ونصف ريال".
"وإذاً فقد كان نفي الموريسكيين من الناحية الاقتصادية، يعتبر بالنسبة إلى إسبانيا، أفدح إجراء مخرِّب يمكن تصوره، وإنه ليمكن أن نتسامح في المبالغة التي يصفه بها سياسي أجنبي هو الكاردينال ريشليو، حيث يصفه بأنه: "أعرق إجراء في الجرأة البربرية مما عرفه التاريخ في أي عصر سابق". والحقّ أن الصدع الذي منيت به ثروة إسبانيا العامة من جرائه، كان من الفداحة بحيث أنه ليس من المبالغة أن نقول: إنه لم يبرأ حتى

الصفحة 413