كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

إفريقية"، فقال له: "نعم"، فمكث أياماً، ثم قال: "قد وجدت رجلاً له فضل"، قال: "مَن هو؟ "، قال: "محمد بن يزيد مولى قريش"، فقال: "أدخله عليّ! "، فأدخله عليه. فقال سليمان: "يا محمد بن يزيد! اتّق الله وحده لا شريك له، وقم فيما ولّيتُك بالحق والعدل! وقد ولّيتكَ إفريقية والمغرب كله"، فودّع محمد بن يزيد سليمان بن عبد الملك وانصرف وهو يقول: "مالي عُذْرٌ عند الله إن لم أَعدل". وفي سنة سبع وتسعين الهجرية (715 م)، استقرّ محمد بن يزيد بإفريقية بأحسن سيرة وأعدلها. ثم وصله الأمر بأخذ عبد الله بن موسى بن نصير، وتعذيبه، واستئصال أموال بني موسى، فسجنه محمد وعذّبه، ثم قتله بعد ذلك. وكان سليمان قد أمره بأخذ أهل موسى وولده وكل من تلبّس به، واستئصال أموالهم وتعذيبهم، حتى يؤدوا ثلاثمائة ألف دينار (1).
وقتْلُ عبد الله وتعذيبه وسجنه، بأمر سليمان بن عبد الملك، وتنفيذ عامله محمد بن يزيد، أمور يصعب تصديقها، وبخاصة قضية قتل عبد الله، إذ ليس من السهل قتل رجل مسلم في تلك الأيام، بدون اقتراف ما يسوِّغ قتله شرعاً. ومما يزيد في الشك بذلك، أن القتل جرى بأمر سليمان، وهو: "مفتاح الخير، أطلق الأسارى، وخلّى أهل السجون، وأحسن إلى الناس، واستخلف عمر بن عبد العزيز"، كما وصفه المؤرخون، فمن الصعب أن نصدِّق أنه يأمر بقتل عبد الله، وهو قادر على حجزه أو ترحيله بسهولة ويسر، كما أن من الصعب تصديق أن محمد بن يزيد ينفِّذ حكم الإعدام بعبد الله، وهو من المعروفين بحسن السيرة والعدل، ويكفي أن رجاء بن حَيْوَة الإمام المحدِّث الفقيه التابعي الذي لا تأخذه في الحق لومة لائم، قد زكّى محمد بن يزيد لولاية إفريقية والمغرب، ولو لم يكن عَدْلاً متميزاً بين العدول لما رشحه رجاء لهذا
_______
= طبقات ابن سعد (7/ 454 - 455) وتهذيب الأسماء واللغات (1/ 190) وتهذيب التهذيب (3/ 265 - 266) والبداية والنهاية (9/ 304).
(1) البيان المغرب (1/ 47).

الصفحة 78