كتاب قادة فتح الأندلس (اسم الجزء: 2)

على الدولة الإسلامية في الأندلس حياة جديدة في ظل مملكة غرناطة، التي استطاعت أن تبرز من غمرة الفوضى ضئيلة في البداية، وأن توطد دعائم قوتها شيئاً فشيئاً، وأن تذود عن الإسلام ودولته الباقية بنجاح أكثر من قرنين. وكان من حسن طالع هذه المملكة الإسلامية الصغيرة، أن شغلت عدوتها القوية إسبانيا النصرانية مدى حين، بمنازعاتها وحروبها الداخلية، فلم تستطع تحقيق غايتها الكبرى، وهي القضاء على دولة الإسلام في الأندلس، وعلى الأمة الأندلسية المسلمة بصورة نهائية، إلاّ بعد أن تهيأت لذلك جميع الظروف والأسباب. ولم يكن ذلك قبل مائتين وخمسين عاماً، عاشتها مملكة غرناطة الصغيرة، أبيّة كريمة، ترفع لواء الإسلام عالياً في تلك الربوع، التي افتتحها الإسلام قبل ذلك بعدّة قرون، وأنشأ بها المسلمون حضارتهم العظيمة التي حفلت بأرقى نظم الحياة المادية والمعنوية، وأرفع ضروب العلوم والفنون والآداب التي عرفت في العصور الوسطى (1).
وقد كانت غرناطة وقت فتح الأندلس مدينة صغيرة من أعمال ولاية إلبيرة، تقع على مقربة من مدينة إلبيرة قاعدة الولاية من الناحية الجنوبية (2)، افتتحها المسلمون عقب انتصارهم على القوط بقيادة طارق بن زياد سنة (92 هـ - 711 م). ولما اضطرمت الفتنة بالأندلس، ودبّ الخلاف بين القبائل، عقب موقعة بلاط الشهداء سنة 732 م، واشتد التنافس على الإمارة بين الشاميين من ناحية، والعرب والبربر من ناحية أخرى، فرأى أمير الأندلس أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي أن يعمل على تهدئة الفتنة بتمزيق عصبة الشاميين، ففرّقهم في أنحاء الأندلس، وأنزل جند الشام بكورة إلبيرة، وجند حمص بإشبيلية، وجند فلسطين بشذونة والجزيرة، وجند الأردن بريّة، وهكذا نزل
_______
(1) نهاية الأندلس (16 - 17).
(2) إلبيرة: وبالإسبانية ( Elvira) ، مدينة رومانية قديمة كانت تسمى أيام الرومان ( Iliboris) ، وكانت عاصمة الولاية التي تسمى بهذا الاسم، وكانت أيام الفتح الإسلامي مدينة كبيرة عامرة.

الصفحة 96