كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 2)

وجاء في الحديث الآخر: "لَا تَزَالُ الْمَسْأَلَةُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَلْقَى اللَّهَ تَعَالَى وَلَيْسَ في وَجْهِهِ مُزْعَةُ لَحْمٍ" (¬1)، لا سيما مَنْ سأل من غير ضرورة تدعوه إلى السؤال، وقد رُوي: أنه مات رجلٌ من أهل الصُّفَّة، وتركَ دينارين، فقال النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: ""كَيَّتَانِ" (¬2) " (¬3)، وما سبب ذلك -واللَّه أعلم- إلا أنه كان ظاهره الفقر، وكان يُتصدق عليه؛ لظهور فقره واحتياجه، فلما ظهر له الديناران، كان ذلك خلافَ ظاهرِ حاله.
ق: والمنقول عن (¬4) مذهب الشافعي رحمه اللَّه جوازُ السؤال، فإذا قيل بذلك (¬5)، فيبقى النظرُ (¬6) في تخصيص المنع بالكثرة، فإنه إن كانت الصورة تقتضي المنعَ، فالسؤال ممنوعٌ كثيرُه وقليلُه، وإن لم تقتضِ (¬7) المنعَ، فينبغي حملُ هذا النهي على الكراهة للكثير من السؤال، مع أنه
¬__________
(¬1) رواه البخاري (1455)، كتاب: الزكاة، باب: من سأل الناس تكثرًا، ومسلم (1040)، كتاب: الزكاة، باب: كراهة المسألة للناس، من حديث ابن عمر -رضي اللَّه عنهما-.
(¬2) في "ت": "كيتين أو جمرتين".
(¬3) رواه الإمام أحمد في "المسند" (1/ 405)، وأبو يعلى في "مسنده" (4997)، وابن حبان في "صحيحه" (3263)، والبيهقي في "شعب الإيمان" (6962)، عن عبد اللَّه بن مسعود -رضي اللَّه عنه-.
(¬4) في "ت": "فالمنقول من".
(¬5) في "ت": "لذلك".
(¬6) في "ت": "المنع" بدل "النظر".
(¬7) في "ت": "يقتض".

الصفحة 577