كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 2)

وكان صَعْصَعَةُ بنُ ناجيةَ ممن منعَ الوأد، وبه افتخر الفرزدق في قوله: [المتقارب]
وَمِنَّا الَّذيِ مَنَعَ الْوَائِدَاتِ ... وأَحْيَا الْوَئيدَ (¬1) فَلَمْ يُوأَدِ (¬2)
وكان صفةُ وَأْدِهم: أن الرجل إذا وُلِدَتْ لَهُ بنتٌ، فأراد أن يَستحييها، ألبسَها جبةَ صوف، أو شعرٍ، ترعى له الإبل، والغنم في البادية، وإن أرادَ قتلَها، تركها، حتى إذا كانت سداسية، فيقول لأمها: طَيِّبيها وزَيِّنيها حتى أذهبَ بها إلى أحمائها، وقد حفر لها بئرًا في الصحراء، فيبلغ بها البئرَ، فيقول لها: انظُري فيها، فيدفعها من خلفها، ويُهيل عليها الترابَ حتى يستوي (¬3) البئرُ بالأرض.
وقيل: كانت الحامل إذا أقربَتْ (¬4)، حفرت حفرةً، فتمخَّضَتْ (¬5) على رأسِ الحفرة، فإذا وَلَدَتْ بنتا، رمتْ بها في الحفرة، وإن ولدت ابنًا (¬6)، حَبَسَتْه، وكانَ الحاملُ لهم على ذلك الخوفَ من لحوق العار بهم من أجلهنَّ، أو الخوفَ من الإملاق؛ كما قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ} [الإسراء: 31]، وكانوا يقولون: الملائكةُ بناتُ اللَّه،
¬__________
(¬1) في "ت": "الوليد".
(¬2) انظر: "الصحاح" للجوهري (2/ 546)، (مادة: وأد).
(¬3) في "ت": "تستوي".
(¬4) في "ت": "اقتربت".
(¬5) في "ت": "فتحصنت".
(¬6) في "ت": "ذكرًا".

الصفحة 582