كتاب رياض الأفهام في شرح عمدة الأحكام (اسم الجزء: 2)

ومما يدل على تفضيل يوم (¬1) الجمعة ما رُوي عن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- قال (¬2): "أُتِيتُ بِمِرْآةٍ فِيهَا نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ"، وفي رواية أخرى: "فِيهَا نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ، فَقُلْتُ: يَا جِبْرِيلُ! مَا هَذِهِ الْمِرْآةُ؟ فَقَالَ: هَذِهِ يَوْمُ الجُمُعَةِ، قُلْتُ: ما هَذِهِ النُّكْتَةُ؟ قَالَ: هَذِهِ السَّاعَةُ الَّتِي في يَوْمِ الجُمُعَةِ" (¬3).
قالَ بعضُ العلماءِ: السرُّ في كونها سوداءَ: هو انْبِهامُها والتِباسُ عينِها (¬4)، وبياضُها -على مقتضى الرواية الأخرى-: تنبيهٌ على شرفِها وخصوصيتها؛ من حيثُ إن البياض أحسنُ الألوان.
تنبيه: اعلمْ: أن الزمن من حيث هو زمنٌ لا يفضلُ بعضُه بعضًا، وكذلك لا يفضُل شيء شيئًا بذاته، بل بالتفضيل، وللَّه -سبحانه- أن يفضل ما شاء، ومَنْ شاء، على ما شاء، وأن يخصَّ مَنْ شاء بما شاء، وقد نص الرسول -عليه الصلاة والسلام- على تفضيل بعضِ الأزمنة، ونَبَّهَ على رُجحان العمل فيها، وكأن المقصودَ من ذلك: حَثُّ الخلق
¬__________
(¬1) في "ت": "فضل" بدل "تفضيل يوم".
(¬2) "قال" ليس في "ق".
(¬3) رواه أبو يعلى في "مسنده" (4228)، والطبراني في "المعجم الأوسط" (6717)، والحارث بن أبي أسامة في "مسنده" (195)، وأبو نعيم في "حلة الأولياء" (3/ 72)، والخطيب في "موضح أوهام الجمع والتفريق" (2/ 294)، من حديث أنس -رضي اللَّه عنه-.
(¬4) في "ق": "عليها".

الصفحة 625