كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 2)

قلت: إن كان الشيخ ممن يرى تخطئة المزني في ذلك؛ فتأويل كلامه على التفرقة عند مسح الوجه بالضربة أولى؛ لأن كلامه يرشد إليه؛ إذ لو كان مراده: أن التفرقة تكون حال الضرب، لقال: ويفرق أصابعه ويضرب، فلما أن قال: "يضرب ويفرق أصابعه" دل على ما ذكرناه، وإن كانت الواو لا تقتضي الترتيب؛ لأن التفريق عند مسح الوجه أبلغ، خصوصاً فيمن له لحية، لكن الغالب أنه إنما يروي ما حكيناه عن شيخه أبي الطيب، وهو الأصح في "الرافعي".
والقائلون بخلافه اختلفوا في جواز التفريق في الضربة الأولى:
فذهب الأقلون ومنهم القفال إلى منعه، وأنه لا يصح تيممه إذا فعله؛ لأن الغبار الحاصل بسببه من الأصابع يمنع الغبار الواجب إيصاله بالضربة الثانية، ولا يمكن الاكتفاء بالأول؛ فإنه في حكم غبار حصل على المحل قبل فرض النقل إليه، وهو لا يجوز، كما سنذكره.
وذهب الأكثرون منهم إلى جوازه؛ لأنه إذا مسح الوجه، لم يبق على اليد كثير غبار؛ فلا يمنع من إيصال الغبار الثاني إليه.
نعم، إن بقي ما يمنع؛ وجب إزالته قبل الضربة الثانية.
والقول بالجواز وعدم الاستحباب هو الراجح عند الإمام، وقال: إن القائل بخلافه مجاوز للحد، وليس بالمرضي اتباع [شعب الفكر] ودقائق النظر في الرخص، وقد تحقق من فعل الشارع ما يشعر بالتسامح فيها، ولم يوجب أحد من أئمتنا على الذي يهم بالتيمم أن ينفض التراب عن وجهه ويديه، ثم يبتدئ بنقل التراب إليهما، مع العلم بأن المسافر في تقلباته لا يخلو عن غبار يرهقه، ولو صح ما ذكره هذا القائل، لوجب ذلك؛ ولأجل ذلك قال الغزالي: إن ما ذكره القفال بعيد؛ فإنه [تضييق للرخصة].
واعترض عليه بأنه إنما يكون تضييقاً إذا نشأ من أمر يتعذر الاحتراز منه.
وقد تلخص مما ذكرناه أن التفرقة في الضربة الثانية لابد منها، وهل تستحب في

الصفحة 28