كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 2)

أنت فلم تصل، وأما أنا فتمعتك في التراب وصليت، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكَ أَنْ تَضْرِبَ بِيدَيْكَ عَلَى الأَرْضِ، ثُمَّ تَنْفُخَ فِيهِمَا، ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَكَ وَكَفَّيْكَ"؟ فقال عمر: اتق الله يا عمار، فقال: إن شئت لم أحدث به، فقال عمر: نوليك ما توليت". أخرجه الشيخان وقد قال الشافعي في مواضع- كما حكاه الإمام عند الكلام في تحريم الطيب على المحرم-: إذا صح خبر يخالف مذهبي، فاتبعوه، واعلموا أنه مذهبي.
بل قد حكى الماوردي، عن رواية الزعفراني، عن الشافعي، أنه كان في القديم يعلق الاقتصار على اليدين إلى الكفين على صحة خبر عمار.
والقائلون بالجديد قالوا: قد ورد عن عمار أنه أفتى بخلاف ذلك، أو روى خلافه، [ودل ما ذكرناه] من الأخبار على زيادة؛ فوجب الأخذ بها، وتحمل رواية الكفين على التجوز، قال الله- وتعالى-: {ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10].
قال: وترتيب اليد على الوجه، أي: سواء كان التيمم عن حدث أكبر أو أصغر، لأنه طهارة في عضوين؛ فكان الترتيب شرطاً فيهما كما في الوضوء.
وقد أفهم قوله: "وترتيب اليد على الوجه": أن الترتيب في أخذ التراب للوجه واليدين ليس بشرط، حتى إنه لو ضرب ضربة واحدة بيديه، ومسح بإحداهما وجهه واستوعبه، ثم بالأخرى يده- يجوز، وهو أصح الوجهين.
قال: وسننه: التسمية، وتقديم اليمنى على اليسرى، كما في الوضوء.
تنبيه: كلام الشيخ يقتضي أموراً:
أحدها: أن الواجب مسح الوجه واليدين بالتراب، لكن هل ذلك لأنه أقل ما يخرج به عن العهدة؛ كما دل عليه خبر عمار، والواجب إيصال الترابإلى محل التيمم كيف كان، أو لأنه متعين في الإجزاء؟ هذا ما اقتضى كلام الأصحاب فيه خلافاً؛ فإنهم حكوا أن الشافعي قال في "الأم": وإن سفت الريح عليه تراباً ناعماً، فأمر يده على وجهه لم يجز؛ لأنه لم يأخذه لوجهه، والله- تعالى- يقول: {فَتَيَمَّمُوا

الصفحة 39