كتاب كفاية النبيه في شرح التنبيه (اسم الجزء: 2)

ومن قال: إنه لا يشرب النجس في هذه الصورة، بل يشرب الطاهر ويتيمم، وهو الشاشي فإنما منع [منه]؛ لأجل النجاسة؛ فإنه لا يباح تناولها إلا عند الضرورة، ولا ضرورة، بخلاف الماء المستعمل.
قلت: التعليل بالعيافة متعين، وما ذكره الماوردي وغيره دليل عليه؛ إذ لو لم يكن علة في منع استعماله لما جوزوا له شرب الماء النجس مع قدرته على شرب الماء طاهر بعد استعماله.
تنبيه: الضمير في قول الشيخ: "وهو محتاج إليه؛ للعطش" يعود إلى الماء، والتقدير: والماء محتاج إليه؛ للعطش [أي: الحاجة] التي يخشى معها عند عدم الاستعمال ما ذكرناه؛ قاله الإمام [ثم] ومن تبعه.
والمذكور في "الحاوي" و"تعليق أبي الطيب"، عند الكلام في المرض: أنه يختص بخوف التلف.
قال الماوردي: ولو قيل: هما سواء، لكان أصح.
ثم ذلك يكون حقيقة في الحاجة الناجزة، أما في الحاجة المتوقعة، كما إذا كان في برية يتحقق أنه لا يجد الماء فيها في غده، وهو مستغن عنه في وقته؛ فإطلاق الاحتياج إليه في الوقت مجاز، ولا نظر إليه عند الشيخ أبي حامد؛ فإن الشافعي قال في "الأم": إذا كان مع الرجل في السفر إناءان: أحدهما: طاهر، والآخر: نجس، فاشتبها عليه، وكان يخاف العطش فيما بعد إن توضأ بالماء فإنه يتحرى، ويتوضأ بالطاهر في ظنه، ويمسك الآخر، [حتى] إن احتاج إليه لعطشه شربه.
قال الشيخ أبو حامد: وهو صحيح؛ لأن ترك التوضؤ بالماء، والعدول إلى التيمم؛ لخوف العطش فيما بعد لا يجوز؛ [وإنما يجوز] ذلك إذا خاف العطش في الحال؛ كذا حكاه في "البيان"، [في باب الشك في نجاسة الماء والتحري فيه].
والإمام وغيره أقاموا الحاجة المتوقعة في الصورة التي ذكرناها، كالحاجة الناجزة في جواز التيمم.

الصفحة 52