كتاب الكوثر الجاري إلى رياض أحاديث البخاري (اسم الجزء: 2)

«أَلاَ أُحَدِّثُكُمْ بِأَمْرٍ إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ أَدْرَكْتُمْ مَنْ سَبَقَكُمْ وَلَمْ يُدْرِكْكُمْ أَحَدٌ بَعْدَكُمْ، وَكُنْتُمْ خَيْرَ مَنْ أَنْتُمْ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِ، إِلاَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَهُ تُسَبِّحُونَ وَتَحْمَدُونَ، وَتُكَبِّرُونَ خَلْفَ كُلِّ صَلاَةٍ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ». فَاخْتَلَفْنَا بَيْنَنَا فَقَالَ بَعْضُنَا نُسَبِّحُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنَحْمَدُ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ، وَنُكَبِّرُ أَرْبَعًا وَثَلاَثِينَ. فَرَجَعْتُ إِلَيْهِ فَقَالَ «تَقُولُ سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، حَتَّى يَكُونَ مِنْهُنَّ كُلِّهِنَّ ثَلاَثًا وَثَلاَثِينَ». طرفه 6329
ـــــــــــــــــــــــــــــ
(ألا أحدثكم) ألا حرف تنبيه ينبه به المخاطب في صدر الكلام لئلا يفوته المقصود بعده.
(إن أخذتم به أدركتم من سبقكم) يريد السبق في الطاعة لا الزمان (ولم يدرككم أحد بعدكم) إن لم يعمل بما عملتموه، لقوله (إلا من عمل مثله) (وكنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم) لفظ الظهر مقحم، والتثنية للتأكيد، والنون زائدة على خلاف القياس، وهذا جار مجرى التفسير لما تقدمه، فلا وجه لحمل الكلام على مذهب الشافعي من رجوع الاستثناء إلى الجملة المتقدمة.
فإن قلت: قوله: "أدركتم من سبقكم" يدل على المساواة، وقوله: "كنتم خير من أنتم بين ظهرانيهم" يدل على الأفضلية، فما وجه هذا الكلام؟ قلت: معناه: أنكم بإحداث هذا تدركون ما فعلوا في الأزمنة المتطاولة وباستمراركم تفضلونهم.
(تسبحون وتحمدون ونكبرون خلف كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، فاختلفنا) هذا كلام أبي صالح هذا كلام سُمُي، صرح به رواية مسلم، وفي رواية سهيل "من كل واحدة إحدى عشرة".
قال النووي: الزيادة من الثقات مقبولة، فحافظ على ثلاث وثلاثين من كل واحدة، ويكون التكبير أربعًا وثلاثين؛ لأنه جاء كذلك في رواية، ويقول في آخره: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، فإن فيه الجمع بين الرّوايات (تسبحون عشرًا، وتحمدون عشرًا، وتكبرون عشرًا) فالحق أن ذلك باعتبار الأوقات تارةً وتارة، وفي الحديث دليل على أن الغني الشاكر أفضل من الفقير الضابر، وأن العمل القليل كالذكر يفضل العمل الكثير

الصفحة 465