كتاب مسند الفاروق ت إمام (اسم الجزء: 2)

ومن سورة التحريم
(883) قال الهيثم بن كُلَيب في «مسنده» (¬1): ثنا أبو قِلاَبة عبد الملك بن محمد الرَّقَاشي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا جرير بن حازم، / (ق 341) عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمرَ، عن عمرَ قال: قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لحفصةَ: «لا تُحدِّثي أحدًا، وإنَّ أُمَّ إبراهيمَ عليَّ حرامٌ». فقالت: أَتُحرِّم ما أحلَّ اللهُ لك؟ قال: «فوالله لا أَقرَبُهَا». قلتُ: فلم تَقِرَّ بها نفسُها حتى أخبَرَتْ عائشةَ، فأنزل اللهُ عزَّ وجلَّ: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (¬2).
هذا إسناد صحيح على شرطهما (¬3)، ولم يخرِّجه أحدٌ من أصحاب الكتب، وإنما اختاره الضياء في كتابه.
¬_________
(¬1) ليس في القسم المطبوع من «مسنده»، ومن طريقه: أخرجه الضياء المقدسي في «المختارة» (1/ 299 - 300 رقم 189).
(¬2) التحريم: 2
(¬3) لكن له علَّة، فقد تفرَّد بروايته جرير بن حازم دون بقية أصحاب أيوب المتقنين، وقد قال الإمام أحمد: جرير بن حازم يروي عن أيوب عجائب. انظر: «شرح علل الترمذي» لابن رجب (2/ 513).
وله طريق أخرى صحيحة: أخرجها النسائي في «سننه» (7/ 83 رقم 3969) في عشرة النساء، باب الغيرة، والحاكم (2/ 493) والبيهقي (7/ 353) والضياء في «المختارة» (5/ 69، 70 رقم 1694، 1695) من طريق حماد بن سَلَمة، عن ثابت، عن أنس -رضي الله عنه- قال: كان لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم أَمَةٌ يَطَؤُها، فلم تَزَل به عائشةُ وحفصةُ حتى حَرَّمها، فأنزل الله: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ...} الآية.
قال الحاكم: صحيح على شرط مسلم. ووافقه الذهبي.
وصحَّحه -أيضًا- الحافظ في «التلخيص الحبير» (3/ 208) والشيخ الألباني في «صحيح سنن النسائي» (2959). ...
وقد ورد في سبب نزول الآية سبب آخر، وذلك فيما أخرجه البخاري في «صحيحه» (9/ 374 رقم 5267 - فتح) في الطلاق، باب: {لم تحرم ما أحل الله لك} من حديث عائشة -رضي الله عنها-: أنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَمكثُ عند زينب بنت جَحش ويشرب عندها عَسَلاً، فتَوَاصيتُ أنا وحفصةُ أن أيَّتُنا دخل عليها النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فلتقُل: إنِّي لأجدُ منك ريحَ مغافيرَ، أكلتَ مغافيرَ، فدخل على إحداهما، فقالت له ذلك، فقال: «لا بأس، شَربتُ عَسَلاً عند زينب بنت جَحش، ولن أعودَ له». فنَزَلت: {يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك} إلى قوله: {إن تتوبا إلى الله}: لعائشةَ وحفصةَ، {وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا} لقوله: بل شَربتُ عَسَلاً.
قال الحافظ في «الفتح» (8/ 657): فيحتمل أنَّ الآية نَزَلت في السَّببين معًا.

الصفحة 604