كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

يثبت بالأحاديث الأُول أن أكل ما غيرت النار حدث، فثبت بما ذكرنا بتصحيح هذه الآثار أن أكل ما مسّت النار ليس بحدث.
ش: أراد بهذه الآثار ما رواه عن اثني عشر صحابيا بنفي الوضوء مما مست النار.
قوله: "وقد يجوز ... إلى أخره" تحريره: أن الوضوء المذكور في الأحاديث الأُول يحتمل الوضوء الشرعي الذي هو وضوء الصلاة، ويحتمل الوضوء اللغوي وهو أن يُريد به غسل اليد والفم من دسمه وزهومته، فإن كان المراد الثاني؛ لم يثبت بالأحاديث الأول كون كل ما غيرت النار حدثا؛ لأنه إنما يكون حدثا إن لو كان المراد بالوضوء الوضوء الشرعي.
وقد روى الطبراني في "الكبير" (¬1) بإسناده إلى معاذ بن جبل أنه قال: "إنما أمر النبي - عليه السلام - بالوضوء مما غيرت النار بغسل اليدين والفم للتنظيف، وليس بواجب".
وفي إسناده مُطرف بن مازن وقد نُسب إلى الكذب.
وقال أبو عمر: ذهب بعض من تكلم في تفسير حديث النبي - عليه السلام -: "توضؤوا مما مست النار" أنه عني به غسل اليد؛ لأن الوضوء مأخوذ من الوضاءة وهي النظافة، فكأنه قال: نظفوا أيديكم من غَمر ما مسته النار، ومن دَسَم ما مسته النار، وهذا لا معنى له عند أهل العلم، ولو كان كما ظن هذا القائل؛ لكان دَسم ما لم تمسه النار وَوَدك ما لم تمسه النار لا يتنظف منه ولا تغسل منه اليد، وهذا لا يصح عند ذي لُبٍّ، بل المراد منه الوضوء المعهود للصلاة لمن أكل طعاما مسته النار، ولكن هو منسوخ على ما نبينه (¬2).
وقيل: وضوءه - عليه السلام - من ذلك يحتمل أن يكون لشيء آخر اقتضاه، أو لنقض الطهارة أو تجديدها، وقيل: كان أمره بذلك أولًا لِمَا كانت عليه الجاهلية والأعراب من قلة التنظيف، فأراد النبي - عليه السلام - تغيير ذلك وعلّق لهم شريعة
¬__________
(¬1) "المعجم الكبير" (20/ 71 رقم 134).
(¬2) انظر "التمهيد" (3/ 330).

الصفحة 37