كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

الوضوء، فلما رأى استقرار النظافة فيهم والتزامهم له؛ نسخ ذلك بتخفيف الحرج في لزومه لهم. انتهى.
وإن كان المراد الأول -أعني الوضوء الشرعي- كما مال إلى هذا جمهور العلماء؛ يكون آخر الأمرين من فعله - عليه السلام - ناسخًا للأول كما يشهد له حديث جابر وأبي هريرة على ما نبينه عن قريب -إن شاء الله- فإن حديثهما يَشْهد أن آخر الأمرين من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو ترك الوضوء مما غيرت النار، وأن كل ما روي [مما] (¬1) يخالف ذلك فقد نسخ بالفعل الثاني.
وقال البيهقي في "المعرفة" (¬2): قال الشافعي: وإنما قلنا: لا يتوضأ منه؛ لأنه عندنا منسوخ، ألا ترى أن عبد الله بن عباس -وإنما صحبته بعد الفتح- روي عنه: "أنه رآه - عليه السلام - يأكل من كتف شاة، ثم صلى ولم يتوضأ"؟ وهذا عندنا من أبين الدلالات على أن الوضوء منه منسوخ، وأن أمره بالوضوء منه للتنظيف، والثابت عنه أنه لم يتوضأ. انتهى.
وفيه نظر؛ كيف لم يثبت عنه [أنه توضأ] (¬3) وقد روى عنه جماعة من الصحابة أنه توضأ من ذلك؟ ولهذا قال الطحاوي: إلَّا أنه قد ثبت عنه بما روينا أنه - عليه السلام - توضأ، وثبت عنه - عليه السلام - أنه لم يتوضأ، ففي مثل ذلك نحتاج إلى علم الآخر منهما، وقد دل حديث جابر وأبي هريرة أن آخر الأمْرَين تركُ الوضوء، فصار الأول منسوخا.
وقال البغوي في "شرح السنة": هو منسوخ عند عامة أهل العلم.
وقال الترمذي في "جامعه" بعد أن روى حديث جابر: والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي - عليه السلام - والتابعين ومن بعدهم مثل: سفيان، وابن المبارك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق؛ رأوا ترك الوضوء مما مست النار، وهذا آخر الأمرين
¬__________
(¬1) في "الأصل، ك": ما، وما أثبتناه أليق بالسياق.
(¬2) "معرفة السنن والآثار" (1/ 250 - 251).
(¬3) في "الأصل، ك": لم يتوضأ. وما أثبتناه هو أقرب إلى الصواب، والله أعلم.

الصفحة 38