كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

من رسول الله - عليه السلام - وكان هذا الحديث ناسخا للحديث الأول -حديث الوضوء مما مست النار- انتهى.
قلت: هذا بيان المخلص من المعارضة من حيث التاريخ، وهو أن يُعلم بالدليل التاريخ فيما بَين النصين، فيكون المتأخر منهما ناسخا للمتقدم.
فإن قيل: الخبر المثبت أولى من النافي؛ لأن المثبت أقرب إلى الصدق من النافي، ولهذا قبلت الشهادة على الإثبات دون النفي، فلا يحتاج إلى طلب المخلص بالتاريخ؛ لعدم تحقق المعارضة.
قلت: الخبر الموجب للنفي معمول به كالموجب للإثبات وما يستدل به على صدق الراوي في الخبر الموجب للإثبات فإنه يستدل بعينه على صدق الراوي في الخبر الموجب للنفي، فحينئذ تتحقق المعارضة؛ فإذا تحققت المعارضة يُحتاج إلى طلب المخلص، وقد علم من الأصول أن طلب المخلص أولا من نفس الحجة، فإن لم يكن فمن الحكم، فإن لم يكن فباعتبار الحال، فإن لم يوجد فبمعرفة التاريخ نصّا، فإن لم يوجد فبدلالة التاريخ.
وقال أبو عمر: وأشكل ذلك على طائفة كثيرة من أهل العلم بالمدينة وبالبصرة، ولم يقفوا على الناسخ في ذلك من المنسوخ، ولم يعرفوا منه غير هذا الوجه الواحد، وكانوا يوجبون الوضوء مما مسّت النار، ويتوضؤن من ذلك، وممن رُوي عنه ذلك: زيد بن ثابت، وابن [عمرو] (¬1) وأبو موسى، وأبو هريرة، وعائشة، وأم حبيبة، واختلف فيه عن أبي طلحة الأنصاري، وعن ابن عمر وأنس بن مالك وقال به: خارجة بن زيد، وأبو بكر بن عبد الرحمن، وابن عبد الملك، ومحمد بن المنكدر، وعمر بن عبد العزيز، وابن شهاب الزهري، فهؤلاء كلهم مدنيون.
¬__________
(¬1) في "الأصل، ك": عُمر، والمثبت من "التمهيد" لابن عبد البر، وسيأتي ذكر الخلاف عن ابن عمر في هذه المسألة، انظر "التمهيد" (3/ 330، 331).

الصفحة 39