كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

ش: أي وقد رُوي عن جماعة آخرين من الصحابة مثل ما رُوي عن هؤلاء الِجلَّة من الذين قد رُوي عنهم عن رسول الله - عليه السلام - أنه أمر بالوضوء مما غيرت النار، وأراد بهذا: تأكيد ما قاله فيما مضى من انتساخ الأمر بالوضوء مما غيرت النار؛ لأن رواية من رَوى ترك الوضوء منه بعد روايته أنه أمر بالوضوء منه أول دليل على نسخ الحكم الأول؛ لأن الصحابة محفوظون من أن يرووا شيئًا عن النبي - عليه السلام - ثم يقولون أو يفعلون بخلافه إلَّا بعد ثبوت النسخ عندهم.
ص: فمن ذلك: ما حدثنا سليمان بن شعيب، قال: نا بشْر بن بكر، قال: نا الأوزاعي، قال: حدثني أسامة بن زيد الليثي، قال: حدثني عبد الرحمن بن زيد الأنصاري، قال: حدثني أنس بن مالك، قال: "بينا أنا وأبو طلحة الأنصاري وأبي بن كعب أُتينا بطعام سخن فأكلنا، ثم قمت فتوضأت، فقال أحدهما لصاحبه: أَعِرَاقيةٌ؟! ثم انتهراني، فعلمتُ أنهما أفقه مني".
ش: أي فمن هذا الذي ذكرنا من قولنا: "وقد روي عن آخرين منهم .... " إلى آخره.
قوله: "ما حدثنا" مبتدأ، و"من ذلك" مقدما خبره و"ما" موصولة، و"حدثنا" صلتها.
وإسناده حسن ورجاله ثقات، والأوزاعي: عبد الرحمن بن عمرو.
وأخرجه البيهقي في "سننه" (¬1): أنا أبو أحمد عبد الله بن محمَّد، أنا أبو بكر محمَّد بن جعفر المزكي، نا محمَّد بن إبراهيم العبدي، نا بُكير، نا مالك، عن موسى بن عقبة، عن عبد الرحمن بن زيد الأنصاري: "أن أنس بن مالك قَدِمَ من العراق، فدخل عليه أبو طلحة وأبي بن كعب، فقَرب إليهما طعاما قد مسّته النار، فأكلوا منه، فقام أنس فتوضأ، فقال له أبو طلحة وأبي بن كعب: ما هذا يا أنس، أعِراقية؟! فقال أنسٌ: ليتني لم أفعل. وقام أبو طلحة وأبي بن كعب فَصَلَّيَا ولم يتوضئا".
¬__________
(¬1) "سنن البيهقي الكبرى" (1/ 158 رقم 711).

الصفحة 51