كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

وأخرج عبد الرزاق في "مصنفه" (¬1): عن محمَّد بن راشد، قال: أخبرني عثمان بن عمرو التيمي، عن عقبة بن زيد، عن أنس بن مالك قال: "قدمت المدينة فتعشيتُ مع أبي طلحة قبل المغرب، وعنده نفر من أصحاب النبي - عليه السلام - منهم أبي بن كعب، فحضرت المغرب، فقمت أتوضأ، فقالوا: ما هذه العراقية التي أحدثتها؛ من الطيبات تتوضأ؟! فصلوا المغرب جميعًا ولم يتوضؤا".
قوله: "أنتوضأ" الهمزة فيه للاستفهام "من الطيبات" أي: من المواكيل الطيّبات.
قوله: "لقد جئت بها" أي بهذه الفَعْلة يعني الوضوء مما مسته النار.
قوله: "عراقية" بالنصب على الحال، من الضمير الذي في "بها".
قوله: "وقد رويا" جملة وقعت حالا، أي والحال أنهما -أي أبا طلحة وأبا أيوب- قد رَوَيَا عن رسول الله - عليه السلام - أنه أَمَر بالوضوء مما مَسّته النار، أما حديث أبي طلحة فهو ما رواه في أول الباب: "أنه - عليه السلام - أكل ثوْرَ أقطٍ فتوضأ منه" (¬2).
وأما حديث أبي أيوب فهو ما رواه النسائي في "سننه" (¬3): وقال: أخبرنا عَمرو بن علي ومحمد بن بشار، قالا: حدثنا ابن أبي عدي، عن شعبة، عن عمرو بن دينار، عن يحيى بن جعدة، عن عبد الله بن عمرو، قال حدثني محمَّد القاري، عن أبي أيوب قال: قال النبي - عليه السلام -: "توضئوا مما غيرت النار".
والطحاوي لم يَرو حديث أبي أيوب في هذا الكتاب، وإنما رواه في غيره، ولكن في هذا الباب -يعني باب حكم ما مّسته النار- فلذلك قال: فيما قد روينا عنهما في هذا الباب.
قوله: "فهذا لا يكون عندنا ... " إلى آخره إشارة إلى بيان وجه النسخ، وذلك لأن الصحابي إذا روى شيئًا ثم عمل أو أفتى بخلافه يدلّ ذلك على أنه قد ثبت النسخ عنده فيما رواه لأنا لا نظن بالصحابة إلَّا كل خير.
¬__________
(¬1) "مصنف عبد الرزاق" (1/ 170 رقم 659).
(¬2) تقدم تخريجه.
(¬3) "المجتبى" (1/ 106 رقم 176).

الصفحة 54