كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

وأخرجه الطبراني في "الكبير" (¬1) أيضًا: نا معاذ بن المثنى، نا مسدد. ح
ونا طالب بن قرة الأذني، نا محمَّد بن عيسى بن الطباع. ح
ونا أبو حصين القاضي، نا يحيى الحماني، قالوا: نا أبو عوانة، عن عثمان بن عبد الله بن موهب، عن جعفر بن أبي ثور، عن جابر قال: "كنت جالسا عند رسول الله - عليه السلام - فَسُئِل: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ فقال: نعم، فتوضئوا من لحوم الإبل. فقالوا: نصلي في مبارك الإبل؟ قال: لا.
[قالوا] (¬2): أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ وإن شئت فلا توضأ.
[قالوا]: نصلي في مرابض الغنم؟ قال: نعم".
واحتج هؤلاء القوم بحديث جابر بن سمرة فيما ذهبوا إليه.
وقال ابن قدامة في "المغني": ولنا في هذا الباب حديث جابر بن سمرة وحديث البراء. وقد قال أحمد: فيه حديثان صحيحان عن النبي - عليه السلام - حديث البراء وحديث جابر بن سمرة. وكذلك قال إسحاق. وحديثهم لا أصل له إنما هو قول ابن عباس.
قلت: أراد به ما استدل به الحنفية والشافعية والمالكية من حديث ابن عباس - رضي الله عنه - عن النبي - عليه السلام - أنه قال: "الوضوء مما يخرج لا مما يدخل".
ثم قال: فإن قيل: الوضوء ها هنا غسل اليد؛ لأن الوضوء إذا أضيف إلى الطعام اقتضي غسل اليد كما كان - عليه السلام - يأمر بالوضوء قبل الطعام وبعده. وخص ذلك بلحوم الإبل لأن فيه من الحرارة والزهومة ما ليس في لحوم الغنم؛ قلنا: هذا فاسد؛ فإنه نوع تأويل يخالف الظاهر من وجوه أربعة:
أحدها: أنهم حملوا الأمر على الاستحباب، ومقتضاه الوجوب.
والثاني: أنهم حملوا الوضوء على غير موضوعه في الشرع، ولفظ الشارع عند الإطلاق إنما يحمل على الموضوعات الشرعية.
¬__________
(¬1) "المعجم الكبير" (2/ 212 رقم 1866).
(¬2) في "الأصل، ك": قال، والمثبت من "معجم الطبراني الكبير" وهو الموافق للسياق.

الصفحة 59