كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

الثالث: أنهم جمعوا بين ما نهى النبي - عليه السلام - عنه وبين ما أمر به، فإن النبي - عليه السلام - أمر بالوضوء من لحوم الإبل، ونهى عن الوضوء من لحوم الغنم، ومتى حُمل الأمر على استحباب غسل اليد فهي مستحبة فيهما جميعًا بدليل الحديث الذي رووه.
الرابع: أن السائل سأل عن الوضوء من لحومها والصلاة في مباركها، والوضوء المقرون بالصلاة لا يفهم منه غير المشروع لها، ومخالفة هذه الظواهر كلها لا يجوز بمثل هذا التأويل الضعيف الذي ليس له أصل، وَمِنَ العجب أن مخالفينا أوجبوا الوضوء فيما يخالف القياس بأحاديث ضعيفة، فبعضهم أوجبه بالقهقهة في الصلاة، والخارج من غير السبيل، وبعضهم أوجبه من لمس الذكر بحديث مختلف فيه لا يقارب هذه الأحاديث في الصحة، والتأويل فيه أسهل من التأويل ها هنا، وقد عارضه حديث قيس بن طلق، وقد قال أحمد: ما أعلم به بأسا. وقال: الوضوء من أكل لحم الجزور أقوى من الوضوء من مس الفرج؛ لصحة الحديث فيه، ثم عدلوا عن هذا الحديث مع صحته وظهور دلالته لمخالفته القياس الطردي. انتهى (¬1).
والجواب عن الحديث: أنه منسوخ بحديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه -: "كان آخر الأمرين من رسول الله - عليه السلام - ترك الوضوء مما مسته النار".
ويتناول ذلك لحوم الإبل وغيرها، والجواب عن قوله: "وحديثهم لا أصل له إنما هو من قول ابن عباس": غير صحيح؛ لأن الحديث له أصل.
وقد أخرجه الطبراني (¬2) بإسناده عن أبي أمامة قال: "دخل رسول الله - عليه السلام - على صفية بنت عبد المطلب فَغَرفَت له -أو فقربت له- عرْقا فوضعته بين يديه ثم غرفت -أو قربت- آخر فوضعته بين يديه فأكل ثم أتى المؤذن فقال: الوضوء الوضوء. فقال: إنما الوضوء علينا (مما) (¬3) خرج وليس علينا (مما) (3) دخل" ولئن
¬__________
(¬1) "المغني" لابن قدامة (1/ 122) بتصرف واختصار.
(¬2) "المعجم الكبير" للطبراني (8/ 210 رقم 7848).
(¬3) كذا في "الأصل، ك"، وفي "معجم الطبراني": "فيما".

الصفحة 60