كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

يخرجه هو ولا مسلم (¬1)، وقول البخاري هذا لا يدل على صحته، وإنما مراده هو على علاته أصح من غيره من أحاديث الباب، وقد اغترّ ابن العربي بهذه العبارة فحكى عن البخاري تصحيحه وليس كذلك، وأما قول الترمذي فيعارضه قول يحيى بن معين الذي هو العمدة في هذا الشأن وإليه المرجع في باب التصحيح والتضعيف.
ومع هذا كله يخالف حديث بسرة ما روي عن عمر، وعلي، وابن مسعود، وابن عباس، وزيد بن ثابت، وعمران بن حصين، وحذيفة بن اليمان، وأبي الدرداء، وعمّار بن ياسر، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أمامة، وسعيد بن المسيب، وسعيد ابن جبير، وإبراهيم النخعي، وربيعة بن عبد الرحمن، وسفيان الثوري، وجماعة أخرى، فهل يسع للمنصف في دينه أن يترك قول هؤلاء الأعلام من الصحابة الأجلاء ومن التابعين العظماء، ويعمل بحديث بسرة الذي لما جرى أمره في زمن مروان بن الحكم، وشاور من بقي من الصحابة في زمانه قالوا: لا ندع كتاب ربنا ولا سُنة نبيه بقول امرأة لا ندري أصدقت أم كذبت؟ ولهذا قال ربيعة: والله لو شهدت بُسرة على هذا الفعل لما أجزت شهادتها. ذكره الطحاوي بقوله: "وقد تابعه على ذلك غيره" أي قد تابع عروة في كونه لم يرفع بحديث بسرة رأسا غيره من العلماء وهو ربيعة بن عبد الرحمن شيخ الإِمام مالك بن أنس، وهو تابعي كبير، قال يعقوب بن شيبة: ثقة ثبت أحد مفتي المدينة، وروى له الجماعة.
وقال أبو عمر بن عبد البر: كان أحد الفقهاء بالمدينة الذين كانت الفتوى تدور عليهم بها.
¬__________
(¬1) من المعلوم أن البخاري ومسلمًا لم يشترطا أن يخرجا في "صحيحيهما" كل ما صح عندهما من حديث؛ إنما أخرجا في "صحيحيهما" ما وافق شرطهما في كتابيهما، وقد اشترطا أعلى درجات الصحة، وإنما يسلم له قوله: إن قول البخاري: "أصح شيء في الباب" لا يلزم منه أن يكون صحيحًا، بل قد يكون ضعيفًا ضعفًا أخف مما ورد في هذا الباب، والله أعلم.

الصفحة 82