كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

قلت: قد اعترف البيهقي بالتدليس في الحديث المذكور ولكن تحامله على الطحاوي الذي دعاه بأن قال: وأيش يكون إذا كان يرويه عن أبي بكر ... إلى آخره، وكيف يقول البيهقي هذا القول وهو لا يخلّصه عن القول بالتدليس، فإنك قد عرفت أن التدليس أن يكون بين الراوي وبين المروي عنه واحد أو أكثر، سواء كان الواسطة ثقة أو ضعيفًا، ألا ترى إلى ما مثَّل ابن الصلاح لصورة التدليس في الإسناد بقوله (¬1): مثال: ما روينا عن علي بن خشرم، قال: كنا عند ابن عيينة، فقال: الزهري. فقيل له: حدثكم الزهري؟ فسكت، ثم قال: الزهري. فقيل له: سمعته من الزهري؟ فقال: لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري.
فانظر الواسطة بين ابن عُيينة وبين الزهري، وهما إمامان ثقتان: عبد الرزاق، ومعمر بن راشد، ومع هذا فهو تدليس، وقد عرف أن المدلّس غير مقبول ولا محتج به إلاَّ إذا كان بلفظ مبين للاتصال، كما قد وقع في الصحيحين وغيرهما عن قتادة والأعمش والسفيانين وهشيم بن بشير وغيرهم، على أن البيهقي قد قال: أنا أبو عبد الله الحافظ، قال: سمعت أبا منصور العتكي يقول: سمعت الفضل بن محمَّد الشعراني، يقول: سمعت أحمد بن حنبل، يقول: حدثني يحيى بن سعيد، عن شعبة، قال: لم يسمع هشام بن عروة حديث أبيه في مس الذكر. قال: يحيى فسألت هشاما فقال: أخبرني أبي. فهذا شعبة صرح بأن هشاما ما لم يسمع هذا الحديث من أبيه عروة فيكون قول يحيى: "سمع من أبيه" معارضا لقول شعبة: "إنه لم يسمع أباه" ثم بيّن الطحاوي تدليس هشام أيضًا كتدليس الزهري بقوله: "حدثنا سليمان بن شعيب ... " إلى آخره، ورجاله ثقات.
وسليمان هذا وثقه ابن يونس وغيره.
¬__________
(¬1) مقدمة ابن الصلاح (ص 34 - 35) النوع الثاني عشر.

الصفحة 92