كتاب نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في شرح معاني الآثار (اسم الجزء: 2)

قلت: لا نُسَلِّم أنه يحتج به، بل يذكره في المتابعات، ولئن سلمنا أنه يحتج به وأنه ثقة عنده؛ فالحديث ضعيف لا ضطرابه كما ذكرنا, ولكون المدار على عروة في طرق هذا الحديث، وهو لم يرفع به رأسا، وهو معنى قوله: "ولأن عروة لم يقل ذلك ولم يرفع به رأسا، وقد يسقط الحديث بأقل من هذا" بيانه أن هذا أحرى أن يسقط، وبعد التسليم بالكل فالحديث منقطع معنى بمعارضة دليل أقوى منه، فسقط به بيانه: أنه مخالف للكتاب وهو قوله تعالى: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا} (¬1) فإن الآية نزلت في أهل قباء؛ لأنهم كانوا يستنجون بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار فقال لهم النبي - عليه السلام -: إن الله قد أثنى عليكم، فما الذي تصنعون؟ فقالوا: نستنجي بالماء بعد الاستنجاء بالأحجار" فلو جعل المس حدثا لما مدحهم الله تعالى بالماء الذي لا يتصور إلاَّ بمس الفرجين جميعا, ولو كان التطهير الذي مدحهم عليه حدثا لا يكون الاستنجاء تطهيرا؛ إذ التطهير يحصل بزوال الحدث لا بإثباته، أو نقول: أنه محمول على غسل اليدين ليس إلاَّ، كإيراد ذلك في حديث بريدة بن الخصيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من مس صنما فليتوضأ".
رواه البزار (¬2): فإن أحدا ما أوجب الوضوء من مس الصنم.
فإن قلت: قد قال ابن حبان (¬3): وليس المراد من الوضوء غسل اليد؛ وإن كان العرب تسمي غسل اليد وضوءا بدليل ما أخبرنا ... وأسند عن عروة، عن مروان، عن بسرة قالت: قال رسول الله - عليه السلام -: "من مس فرجه فليتوضأ وضوءه للصلاة". وأسند أيضًا (¬4): عن عروة، عن بسرة قالت: قال رسول الله - عليه السلام -: "من مس فرجه فليعد الوضوء".
قال: والإعادة لا تكون إلَّا لوضوء للصلاة.
¬__________
(¬1) سورة التوبة، آية: [108].
(¬2) ذكره الهيثمي في "المجمع" (1/ 246)، وقال: رواه البزار، وفيه صالح بن حبان وهو ضعيف.
(¬3) "صحيح ابن حبان" (3/ 400 رقم 1116).
(¬4) "صحيح ابن حبان" (3/ 399 رقم 1115).

الصفحة 94