كتاب الذخائر والعبقريات (اسم الجزء: 2)

وأنا اليوم بهذه الحالة أضْحَكُ شكراً لله تعالى على ما أعطاني من الصَّبر. . . . وقيل: إذا استأثر اللهُ بِشيء فالْهَ عَنْه الْهَ عنه: اتركْه وتَسلَّ

من دواعي التّسلّي قُرْبُ اللّحوقِ بالميّت
كتب بعضُهم: فيمَ الجزعُ ونحنُ على مَدْرجة المُتوفَّى! المَدْرجة: الطريق والمسلك،. . . دخل أحدُهم على آخرَ وقد تُوفّي له أخٌ فاشتدَّ جزعُه عليه، فقال: اذْكُرْ مصيبَتَك في نفسِك تُنْسِك فقْدَ غيرِك، واذْكرْ قولَ اللهِ تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ}، وخذْ بِقولِ الشاعر:
وهَوَّنَ ما ألْقى مِنَ المَوْتِ أنَّ ما ... أصابَكَ مِنْه يا بُنَيَّ مُصيبي
وقال إبراهيمُ بن المهدي:
وإنّي وإنْ قُدِّمْتَ قبلي لَعالمٌ ... بِأنّي وإنْ أبْطأتُ عَنْك قَريبُ
وقال آخرُ:
وهَوَّنَ وَجْدي أنَّني سَوْفَ أغْتَدي ... على إثْرِه يَوْماً وإنْ نَفَّسَ العُمْرُ

من تعازي الملوك وتَسلّيهم بأنّ الناسَ جميعاً مُصابون
لما حَضَرت الإسكندرَ المَقْدونيَّ الوفاةُ كَتَبَ إلى أمِّه: أن اصْنَعي طعاماً يَحْضُرُه الناسُ، ثم تقدَّمي إليهم: أنْ لا يأكلَ منه محزونٌ، ففعلَتْ، فلَمْ يَبْسُطْ أحدٌ إليهِ يدَه، فقالت: ما لكم لا تأكُلون؟ فقالوا: إنَّكِ تقدَّمتِ إلينا أنْ لا يأكلَ منه مَحزونٌ، وليس مِنَّا إلا مَنْ قد أصيبَ بحميمٍ أو قريبٍ! فقالت: مات - والله - ابْني! وما أوْصى إليَّ بِهذا إلا لِيُعَزِّيني به. . .

الصفحة 38