كتاب الذخائر والعبقريات (اسم الجزء: 2)

منْ أنْ يكونَ ما أريدُ، فلَمَسَها، فقال: يا عبدَ الملك، {الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ}. . . فقال: {سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}. . .
ولمّا ماتَ عبدُ الملكِ عزَّى أباه الحسنُ البصريُّ بهذا البيت:
وعُوِّضْتَ أجْراً مِنْ فَقيدٍ فلا يَكُنْ ... فَقيدُكَ لا يَأتي وأجْرُكَ يَذْهَبُ
وروي: أنّ رجلاً جَزِعَ على ابْنٍ له، فشكى ذلك إلى الحَسنِ، فقال له:
هل كانَ ابْنُكَ يغيبُ عَنْك؟ فقال: نَعمْ، كان مغيبُه عَنّي أكثرَ مِنْ حُضوره قال: فاتْرُكْهُ غائِباً، فإنّه لم يَغِبْ عنكَ غَيْبةً الأجْرُ لكَ فيها أعْظمُ مِثْلَ هذه الغيبةِ. . . وقال أعرابيٌّ: وقد ماتَ له ثلاثةُ بنينَ في يومٍ واحدٍ، فَدَفنهمْ وعادَ إلى مَجْلِسِه، فجَعلَ يتحدثُ كأنْ لَمْ يَفْقِدْ واحِداً، فَليمَ على ذلك، فقال: ليسوا في الموت بِبِدْعٍ، ولا أنا في المصيبةِ بأوْحَدَ، ولا جَدْوى لِلْجَزَعِ، فَعَلامَ تلومونَني!

مَنْ ماتَ له كثيرٌ مِنْ أهلِه فَصَبِرَ
نظرَ رَجُلٌ بالبصرة إلى امْرأةٍ فقال: ما رأيتُ مثلَ هذه النَّضارةِ! وما ذاك إلا مِنْ قلّةِ الحُزن! فقالت: ما حزنٌ كَحُزني! ذَبح زوجي شاةً، ولي صبيّانِ يلْعَبانِ، فقال أحدُهما للآخر: تعالَ أريكَ كيفَ ذبحَ أبي الشاةَ، فذَبَحَه، ثم خاف فهَرَبَ إلى الجبلِ، فرَهِقَه ذِئْبٌ، فافْتَرسَه، وخرَجَ زوجي في طَلَبِه، فاشتدَّ عليهِ الحَرُّ فماتَ عَطَشاً! فقيل لها: كيف صَبَرْتِ؟ فقالت: لو وَجَدْتُ في الحزن دَرَكاً ما اخْتَرْتُ عليه. . . رَهِقَه: غَشِيَهُ، ودَرَكاً: تريدُ مُدارَكةً لما فات

الصفحة 41