ويخدم في مهنة أهله "، وفي رواية: " كان صلى الله عليه وسلم يخدم في مهنة أهله، ويقطع لهم اللحم، ويقمُّ البيت، ويعين الخادم في خدمته، (225) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أف قط (226) ، وما قال لي لشيء صنعته: " لم صنعته؟ "، ولا لشيء تركته: " لم تركته؟ "؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خُلُقاً (227) الحديث.
وكان صلى الله عليه وسلم من التبسط ورفع الكلفة إلى حَدِّ أن يستبق هو وامرأته كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها كانت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر، وهي جارية، قالت: " لم أحمل اللحم، ولم أبدِن (228) ، فقال لأصحابه: "تقدموا"، فتقدموا، ثم قال: " تعالي أسابقك"، فسابقته، فسبقته على رجلي، فلما كان بعدُ، خرجت معه في سفر، فقال لأصحابه: "تقدموا"، ثم قال " تعالي أسابقك"، ونسيت الذي كان، وقد حَمَلْتُ اللحم، وبدنت، فقلت: " كيف أسابقك يا رسول الله وأنا على هذه
__________
(225) " السمط الثمين، ص (12) .
(226) أف: اسم فعل مضارع بمعنى: أتضجر، وأتوجع، وهي كلمة تبرم وملال، تقال لكل ما يتضجر منه.
(227) رواه البخاري في " الأدب" والوصايا، و"الديات" وسلم رقم (4774) ، والترمذي رقم (2016) ، وفي "الشمائل " رقم (296) ، وأبو داود والدارمي (1/ 31) ، والبغوي رقم (2664) .
واعلم أن هذا التسامح منه صلى الله عليه وسلم إنما فيما يتعلق بحظ الإنسان، وأما الأمور اللازمة شرعا فلا يتسامح فيها، لأنها من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(228) بَدُنَ وبَدَّن: بالتشديد بمعنى كبر وأسن، وبالتخفيف من البدانة، وهي كثرة اللحم والسمنة، وهذا المعنى هو الأليق بالسياق، انظر النهاية (1/107) .