كتاب عودة الحجاب (اسم الجزء: 2)

بأمه، وآية ذلك ما حَدَّثَ المعرور بن سويد قال: (لقِيتُ أبا ذَر بالربَذَةِ (160) ، وعليه حُلًةٌ، وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك، فقال: إني ساببتُ رجلًا، فَعَيرتُه بأمه (161) ، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: "يا أبا ذَر، أعيرتَه بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية، إخوانكم خَوَلُكم (162) ، جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده، فليطعمه مما يأكل، وليُلْبسهُ مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم") (163) .
ومن مظاهر رفقه صلى الله عليه وسلم ورحمته بالنساء:
ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (استأذن عمرُ على النبي صلى الله عليه وسلم، وعنده نسوة من قريش يُكَلِّمنَهُ - وفي رواية: يسألنه، ويستكثِرنَه- عاليةً أصواتُهنَّ على صوتِهِ، فلما استأذن عُمَرُ قُمْنَ يبتدِرْنَ الحجابَ، فأذِن له النبي صلى الله عليه وسلم، فدخل عُمَرُ والنبي يضحك، فقال عمر: (أضحَكَ الله سِنَّكَ (164) ، بأبي وأمي، قال: "عجبت من هؤلاء اللاتي كُن عندي، فلما سَمِعْنَ صوتَك ابتدرْنَ الحجابَ، قال عمر:
__________
(160) الربَذَة: موضع بالبادية، بينه وبين المدينة ثلاث مراحل.
(161) زاد البخاري في "الأدب": (وكانت أمه أعجمية فنلت منها"، وفى رواية: "قلت له: يا ابن السوداء".
(162) الخوَلُ: حشمُ الرجل وأتباعه، واحدهم خائل، وهو مأخوذ من التخويل: التمليك، وقيل: من الرعاية.
(163) رواه البخاري (1/ 80، 81) في الإيمان: باب المعاصي من أمر الجاهلية، وفي العتق: باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: " العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون"، وفي الأدب: باب ما ينهى من السباب واللعن، ومسلم رقم (1661) في الإيمان: باب إطعام المملوك مما يأكل، وأبو داود، أرقام (5157) ، (5158) ، (5161) في الأدب: باب حق المملوك.
(164) قال الحافظ في "الفتح": (لم يرد به الدعاء بكثرة الضحك، بل لازمه وهو =

الصفحة 88