كتاب المستصفى للغزالي - الرسالة (اسم الجزء: 2)

وأمثال هذه المناهي مما لا ينعقد أصلا ولم يثبت فيه عرف استعمال الشرع فيرجع إلى أصل الوضع ونقول إذا تعارض فيه عرف الشرع والوضع فمن صام يوم النحر فقد ارتكب النهي وإن لم ينعقد صومه ويكون هذا أولى لأن مذهبهم يفضي إلى صرف النهي عن ذلك المنهي عنه إلى غيره فإنه لو كان منهيا في عينه استحال أن يكون عبادة منعقدة ومطلق النهي عن الشيء يدل على النهي عن عينه إلا أن يدل دليل فلا معنى لترك الظاهر من غير ضرورة
فإن قيل: فإذا اخترتم أن النهي لا يدل على الصحة ولا على الفساد في أسباب المعاملات فما قولكم في النهي عن العبادات؟
قد بينا أن النهي يضاد كون المنهي عنه قربة وطاعة لأن الطاعة عبارة عما يوافق الأمر والأمر والنهي متضادان فعلى هذا صوم يوم النحر لا يكون منعقدا إن أريد بانعقاده كونه طاعة وقربة وامتثالا لأن النهي يضاده وإذا لم يكن قربة لم يلزم بالنذر إذ لا يلزم بالنذر ما ليس بقربة نعم لو أمكن صرف النهي عن عين الصوم إلى ترك إجابة دعوة الله تعالى فذلك لا يمنع انعقاده ولكن ذلك أيضا فاسد كما سبق في القطب الأول
وإن قيل فقد حمل بعض المناهي في الشرع على الفساد دون البعض فما الفصل
قلنا النهي لا يدل على الفساد وإنما يعرف فساد العقد والعبادة بفوات شرطه وركنه ويعرف فوات الشرط إما بالإجماع كالطهارة في الصلاة وستر العورة واستقبال القبلة وإما بنص وإما بصيغة النفي كقوله لا صلاة إلا بطهور ولا نكاح إلا بشهود فذلك ظاهر في النفي عند عدم الشرط وأما القياس على منصوص فكل نهي يتضمن ارتكابه الإخلال بالشرط فيدل على الفساد من حيث الإخلال بالشرط لا من حيث النهي وشرط المبيع أن يكون مالا متقوما مقدورا على تسليمه معينا أما كونه مرئيا ففي اشتراطه خلاف وشرط الثمن أن

الصفحة 104